الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ }

روى حفص عن عاصم { العالمين } بكسر اللام الأخيرة. الباقون بفتحها فمن كسرها اسند (الآيات) إلى العلماء، لانهم الذين ينظرون فيها، ويعتبرون بها، كما قالهدى للمتقين } ومن فتح اللام أسند (الآيات) إلى جميع المكلفين الذين يتمكنون من الاستدلال بها والاعتبار بها، سواء كانوا عالمين بها او جاهلين، لأن الامكان حاصل لجميعهم وهو أعظم فائدة.

يقول الله سبحانه مخاطباً لخلقه منبهاً لهم على توحيده وإخلاص العبادة له بـ { أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها } والنفس هي الذات في الأصل ثم يستعمل على وجه التأكيد لقولهم: رأيت زيداً نفسه، ويعبر بها عن الروح وغير ذلك. وقد بيناه وقال قتادة المعنى - ها هنا - أنه خلقت حواء من ضلع آدم. وقال غيره: المعنى خلق لكم من شكل أنفسكم أزواجاً، وقال الجبائي: المعنى خلق أزواجكم من نطفكم. قال البلخي: وذلك يدل على قولههو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفاً } انه يريد بعض الخلق دون بعض. والزوجة المرأة التي وقع عليها عقد النكاح. والزوج الرجل الذي وقع عليه عقد النكاح. وقد يقال: للمرأة زوج إذا لم يلبس للاشعار بأنهما نظيران في عقد النكاح عليهما قال الله تعالىاسكن أنت وزوجك الجنة } وقوله { لتسكنوا إليها } يعني سكون إنس وطمأنينة، بأن الزوجة من النفس إذ هي من جنسها ومن شكلها فهو أقرب إلى الالفة والميل بالمودة منها لو كانت من غير شكلها.

وقوله { وجعل بينكم مودة ورحمة } أي جعل بينكم رقة التعطف إذ كل واحد من الزوجين يرق على الآخر رأفة العطف عليه، بما جعله الله في قلب كل واحد لصاحبه ليتم سروره.

ثم قال { إن في ذلك } يعني في خلق الازواج مشاكلة للرجال { لآيات } أي لدلالات واضحات { لقوم يتفكرون } في ذلك ويعتبرون به، والفكر والاعتبار والنظر واحد، فالفكر في أن الازواج لأي شيء خلقت؟ ومن خلقها؟ ومن انعم بها؟ ومن جعلها على الاحوال التي يعظم السرور بها؟ وكيف لا يقدر احد من العباد على ذلك؟ وذلك من اعظم الدلالة على أن لها خالقاً مخالفاً لها ومنشيئاً حكيماً يستحق العبادة، ولا يستحقها غيره.

ثم نبه على آية أخرى فقال { ومن آياته } الدالة على توحيده ووجوب اخلاص العبادة له { خلق السماوات والأرض } وما فيهما من عجائب خلقه من النجوم والشمس والقمر وجريانها على غاية الحكمة والنظام الذي يعجز كل أحد عنها وبما في الأرض من أنواع الاشجار والنبات وأصناف الجمادات التي ينتفع بها وفنون النعم التي يكثر الانتفاع بها { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } فالالسنة جمع لسان، واختلافها ما بناها الله تعالى، وهيأتها مختلفة في الشكل والهيئة وتأتي الحروف بها { واختلاف ألسنتكم } أي اختلاف مخارجها التي لا يمكن الكلام إلا بكونها كذلك.

السابقالتالي
2 3