الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } * { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } * { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } * { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }

قرأ ابو عمرو، وروح ويحيى والعليمي { ثم إليه يرجعون } بالياء على وجه الخبر. الباقون - بالتاء - على الخطاب.

يقول الله تعالى مخبراً عن نفسه أنه هو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده يبدؤهم إبتداء فيوجدهم بعد أن كانوا معدومين على وجه الاختراع ثم يعيدهم أي يميتهم ويفنيهم بعد وجودهم، ثم يعيدهم ثانياً كما بدأهم أولا، ثم يرجعون اليه يوم القيامة ليجازيهم على أفعالهم، على الطاعات بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب.

واستدل قوم بهذه الآية على صحة الرجعة بأن قالوا { الله يبدؤ الخلق } معناه ابتداء خلقهم { ثم يعيده } إذا أماته في زمان الرجعة { ثم إليه ترجعون } يوم القيامة، وهذا ليس بمعتمد، لان لقائل أن يقول: قوله { ثم يعيده } يجوز أن يكون المراد به احياءهم في القبر للمساءلة التي لا خلاف فيها { ثم إليه ترجعون } يوم القيامة، فلا يمكن الاعتماد عليه. و (البدء) أول الفعل وهو على وجهين:

احدهما - انه اول الفعل وهو جزء منه مقدم على غيره.

والثاني - انه موجود قبل غيره من غير طريق الفعلية، يقال: بدأ يبدؤ بدءاً وابتدء يبتدئ ابتداء. والابتداء نقيض الانتهاء، والبدؤ نقيض العود. والخلق - ها هنا - بمعنى المخلوق. ومثله قوله { هذا خلق الله } وتقول هذا الخلق من الناس، وقد يكون الخلق مصدراً من خلق الله العباد، والخلق كالاحداث والمخلوق كالمحدث. والاعادة فعل الشيء ثانية. وقولهم: اعاد الكلام فهو على تقدير ذلك، كأنه قد اتى به ثانية إذا اتى بمثله، وإن كان الكلام لا يبقى ولا يصح اعادته. وقد يكون الاعادة فعل ما به يكون الشيء إلى ما كان من غير ايجاد عينه كاعادة الكتاب إلى مكانه. ومثل الاعادة الرجعة والنشأة الثانية.

وقوله { ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون } قيل: معناه ييئسون، وقيل: يتحيرون، وقيل: تنقطع حججهم، فالابلاس التحير عند لزوم الحجة، فالمجرم يبلس يوم القيامة، لأنه تظهر جلائل آيات الآخرة التي تقع عندها على الضرورة فيتحير أعظم الحيرة، قال العجاج:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً   قال نعم أعرفه وأبلسا
وقوله { ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء } أي لم يكن في أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله من يشفع لهم. وقيل: شركاؤهم لأنهم كانوا يجعلون لها نصيباً في أموالهم. وقيل: شركاؤهم الذين جعلوهم شركاء في العبادة { وكانوا بشركائهم كافرين } أي يجحدون شركاءهم ذلك اليوم، لأنه يحصل لهم المعرفة بالله ضرورة. وأصل الشرك إضافة الملك إلى اثنين فصاعداً على طريق القسمة التي تمنع من اضافته إلى الواحد، فالانسان على هذا يكون شريكاً لانسان آخر في الشيء إذا ملكاه جميعاً، والله تعالى مالك له، ملكه هذا الانسان او لم يملكه.

السابقالتالي
2 3