الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ }

القراءة والنزول:

قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو { تعلمون } مخففاً الباقون بالتشديد. روي عن ابن عباس أنه قال: سبب نزول هذه الآية أن قوماً من اليهود قالوا للنبي (صلى الله عليه وسلم) أتدعونا إلى عبادتك كما دعا المسيح النصارى فنزلت الآية.

اللغة، والمعنى

وقوله: { لبشر } فانه يقع على القليل والكثير وهو بمنزلة المصدر مثل الخلق وغيره، تقول: هذا بشر وهؤلاء بشر كما تقول: هذا خلق وهؤلاء خلق. وإنما وقع المصدر على القليل، والكثير، لأنه جنس الفعل كما وجب في اسماء الاجناس كالماء والتراب ونحوه وقوله: { أن يؤتيه الله الكتاب } معناه أعطاه { الكتاب، والحكم والنبوة } ، أن { يقول للناس: كونوا عباداً لي من دون الله ولكن } يقول لهم: { كونوا ربانيين }. وحذف يقول لدلالة الكلام عليه. ومعناه في قول الحسن: علماء فقهاء. وقالو سعيد بن جبير: حكماء أتقياء. وقال ابن أبي رزين: حكماء علماء. وقال الزجاج: معناه معلمي الناس. وقال غيره: مدبري أمر الناس في الولاية بالاصلاح.

اللغة:

وفي أصل رباني قولان:

أحدهما - الربان وهو الذي يربّ أمر الناس بتدبيره له وإصلاحه إياه، يقال رب أمره يربه ربابة، وهو ربان: إذا دبره، وأصلحه، ونظيره نعس ينعس، فهو نعسان. وأكثر ما يجيء فعلان من فعل يفعل، نحو عطش يعطش، فهو عطشان, فيكون العالم ربانياً، لأنه بالعلم يدبر الأمر ويصلحه الثاني - إنه مضاف إلى علم الرب تعالى، وهو على الدين الذي أمر به إلا أنه غير في الاضافة، ليدل على هذا المعنى، كما قيل: بحراني، وكما قيل للعظيم الرقبة: رقباني، وللعظيم اللحية: لحياني. وكما قيل لصاحب القصب: قصباني، فكذلك صاحب علم الدين الذي أمر به الرب رباني.

الحجة، والمعنى:

ومن قرأ بالتخفيف أراد بما كنتم تعلمونه أنتم. ومن قرأ بالتشديد أراد تعلمونه، لسواكم. وقوله: { وبما كنتم تدرسون } يقوي قراءة من قرأ بالتخفيف. والتشديد أكثر فائدة، لأنه يفيد أنهم علماء، وأنهم يعلمون غيرهم. والتخفيف لا يفيد أكثر من كونهم عالمين. وإنما دخلت الباء في قوله: { بما كنتم تعلمون } لأحد ثلاثة أشياء:

أحدها - كونوا معلمي الناس بعلمكم، كما تقول: انفعوهم بما لكم.

الثاني - كونوا ممن يستحق أن يطلق عليه صفة عالم بعلمه على جهة المدح له باخلاصه مما يحبطه.

الثالث - كونوا ربانيين في علمكم ودراستكم ووقعت الباء في موضع في.