الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

المعنى:

ذكر الحسن، وقتادة، وعامر، وهو المروي عن أبي جعفر (ع): أن اليهود قالت: كان ابراهيم يهودياً، وقالت النصارى كان نصرانياً، فاكذبهم الله في ذلك بانزال هذه الآية. فان قيل: هل كان الله تعبد باليهودية والنصرانية ثم نسخها أم لا؟ قلنا: كان الذي بعثه الله به شرع موسى ثم شرع عيسى ثم نسخهما فأما اليهودية والنصرانية فصفتا ذم قد دل القرآن والاجماع على ذلك، لأن موسى لم يكن يهودياً، وعيسى لم يكن نصرانياً، لقوله تعالى: { إن الدين عند الله الإسلام } واليهودية ملة محرفة عن شرع موسى وكذلك النصرانية محرفة عن شرع عيسى. وقيل في أصل الصفة بيهود قولان:

أحدهما - أنهم ولد يهود. والآخر - أنه مأخوذ من هاد يهود إذا رجع. وفي النصارى قولان:

أحدهما - أنه مأخوذ من ناصرة قرية بالشام. والآخر - أنه من نصر المسيح. وكيف تصرفت الحال فقد صارتا صفتي ذم تجريان على فرقتين ضالتين.

فان قيل: إن كان ابراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، لأن التوراة والانجيل أنزلا بعده، فيجب أن لا يكون مسلماً، لأن القرآن أيضاً أنزل بعده؟ قلنا: لا يجب ذلك، لأن التوراة والانجيل أنزلا من بعده من غير أن يكون فيها ذكر له بأنه كان يهودياً أو نصرانياً. والقرآن أنزل من بعده وفيه الذكر له بأنه كان حنيفاً مسلماً. وقيل في معنى الحنيف قولان:

أحدهما - المستقيم الدين، لأن الحنف هو الاستقامة في اللغة. وإنما سمي من كان معوج الرجل أحنف على طريق التفاؤل كما قيل للضرير إنه بصير. والثاني - إن الحنيف هو المائل إلى الحق في الدين فيكون مأخوذاً من الحنف في القدم، وهو الميل. فان قيل: هل كان إبراهيم على جميع ما نحن عليه الآن من شرع الاسلام؟ قلنا. هو (ع) كان مسلماً، وإن كان على بعض شريعتنا، لأن في شرعنا تلاوة الكتاب في صلاتنا وما أنزل القرآن إلا على نبينا، وإنما قلنا: إنه مسلم باقامة بعض الشريعة، لأن أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) كانوا مسلمين في الابتداء قبل استكمال الشرع. وقد سماه الله تعالى مسلماً، فلا مرية تبقى بعد ذلك.