الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

القراءة:

قرأ أهل المدينة ويعقوب { طائراً بأذن الله } الباقون. { طيراً } وهو الاجود، لأنه إسم جنس وطائر صفة. وقرأ نافع وحده { إني أخلق } بكسر الهمزة. الباقون بفتحها.

الاعراب، والحجة:

يحتمل نصب قوله: { ورسولاً } وجهين:

أحدهما - بتقدير ويجعله رسولا فحذف لدلالة الاشارة عليه. والثاني - أن يكون نصباً على الحال عطفاً على وجيهاً، لا أنه في ذلك الوقت يكون رسولا بمعنى أنه يرسل رسولا. وقال الزجاج وجهاً ثالثاً بمعنى يكلمهم رسولا في المهد بـ { أني قد جئتكم بآية من ربكم } ولو قرئت { إني } بالكسر { قد جئتكم } كان صواباً. والمعنى يقول { إني قد جئتكم بآية من ربكم } أي بعلامة تدل على ثبوت رسالتي. وموضع { إني أخلق } يحتمل أن يكون خفضاً ورفعاً، فمن قرأ بالخفص فعلى البدل من آية بمعنى جئتكم بأني أخلق لكم من الطين. والرفع أريد به الآية إني أخلق من الطين. وجائز أن يكون { إني أخلق لكم } مخبرهم بهذه الآية ما هي أي أقول لكم { إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير }.

المعنى:

والمراد بالخلق التقدير دون الاحداث، يقال في التفسير أنه صنع من الطين كهيئة الخفاش، ونفخ فيه فصار طائراً. وجاز أن يقول فيه للفظ الطين. وقال في موضع آخر.فينفخ فيها فتكون طيراً بإذني } للفظ الهيئة.

اللغة:

والطين معروف. ومنه طنت الكتاب طيناً أي جعلت عليه طيناً، لأختمه. وطينت البيت تطييناً. والطيانة: حرفة الطيان والطينة: قطعة من طين يختم بها الصك ونحوه. والهيأة: الحال الظاهرة هاء فلان يهاء هيئة. ومن قرأ { هيئت } معناه تهيأت لك فأما " هيت لك " فهلم لك والهيىء: الحسن الهيئة من كل شيء. والمهاياة: أمر يتهايا عليه القوم فيتراضون به. وقوله: { فانفخ فيه } النفخ معروف تقول نفخ ينفخ نفخاً، وانتفخ انتفاخاً، ونفخه نفخاً. والنفاخة للماء، والنفخة نحو الورم في البطن. والنفخة: نفخة الصور يوم القيامة. والمنفاخ كير الحداد. وأصل الباب نفخ الريح التي تخرج من الفم.

المعنى:

ومعنى " أنفخ فيه " يعني أنفخ فيه الروح وهو جسم رقيق كالريح، وهو غير الحياة، لأن الجسم انما يحيا بما يفعله الله تعالى فيه من الحياة، لأن الأجسام كلها متماثلة يحيي الله منها ما يشاء. وإنما قيد قوله: { فيكون طيراً بأذن الله } ولم يقيد قوله: { أخلق من الطين كهيئة الطير } بذكر إذن الله لينبه بذكر الاذن أنه من فعل الله دون عيسى. وأما التصوير والنفخ، ففعله، لأنه مما يدخل تحت مقدور القدر، وليس كذلك انقلاب الجماد حيواناً فانه لا يقدر على ذلك أحد سواه تعالى. وقوله: { وأحيي الموتى بإذن الله } على وجه المجاز إضافة إلى نفسه وحقيقته ادعوا الله باحياء الموتى فيحييهم الله فيحيون باذنه.

السابقالتالي
2