الاعراب: موضع { ويكلم الناس في المهد } نصب على الحال عطفاً على { وجيهاً } ومكلما وكذلك عطف عليه { وكهلاً } بالنصب. ويجوز عطف الفاعل على الفعل لتقارب معنيهما قال الشاعر:
بات يغشاها بعضب باتر
يقصد في أسوقها وجائر
أي ويجور وقال آخر:
يا ليتني علقت غير خارج
قبل الصباح ذات خلق بارج
أم صبى قد حبا أمّ دارج
أي أو درج ويجوز في قوله: { وكهلاً } أن يكون معطوفاً على الظرف من قوله: { في المهد }. اللغة: والمهد مضجع الصبي في رضاعه في قول ابن عباس، مأخوذ من التمهيد. والكهل: من كان فوق حال الغلومة، ودون الشيخوخة. ومنه اكتهل النبت: إذا طال، وقوي. ومنه الكاهل فوق الظهر إلى ما يلي العنق والمرأة كهلة. قال الراجز:
ولا أعود بعدها كريا
امارس الكهلة والصبيا
وقيل الكهولة بلوغ أربع وثلاثين سنة. وقال مجاهد: الكهل: الحليم وأصل الباب العلو، فالكهل لعلو سنه، أو لعلو منزلته. المعنى: ووجه كلامه في المهد تبرئة لأمه مما قذفت به، وجلالة له بالمعجزة التي ظهرت فيه. فان قيل: فما معنى { وكهلاً } وليس بمنكر الكلام من الكهل؟ قيل فيه ثلاثة أوجه: أحدها - يكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من قبل الله. الثاني - انه يبلغ حال الكهل في السن، وفي ذلك أيضاً إعجاز لكون المخبر على ما أخبر به. الثالث - أن المراد به الرد على النصارى بما كان منه من التقلب في الأحوال، لأنه مناف لصفة الآله. فان قيل كيف جحدت النصارى كلام المسيح في المهد وهو معجزة عظيمة؟ قلنا: لأن في ذلك ابطال مذهبهم، لأنه قال:{ إني عبد الله } فاستمروا على تكذيب من أخبر أنه شاهده كذلك. وفي ظهور المعجزة في تلك الحال قيل فيه قولان: أحدهما - إنها كانت مقرونة بنبوة المسيح، لأنه كمل عقله في تلك الحال حتى عرف الله بالاستدلال، ثم أوحى إليه بما تلكم به، هذا قول أبي على الجبائي. وقال ابن الاخشاذ: إن كل ذلك كان على جهة التأسيس لنبوته، والتمكين لها بما يكون دالا عليها، وبشارة متقدمة لها. ويجوز - عندنا - الوجهان. ويجوز أيضاً أن يكون ذلك معجزة لمريم تدل على براءة ساحتها مما قذفت على ما بينا جوازه فيما مضى.