الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ }

العامل في { إذ } يحتمل أمرين أحدهما - وما كنت لديهم إذ قالت الملائكة. الثاني - يختصمون { إذ قالت الملائكة }: { إن الله يبشرك } فالتبشير إخبار المرء بما يسر من الأمر سمي بذلك لظهور السرور في بشرة وجهه عند إخباره بما يسره، لأن أصله البشرة وهي ظاهر الجلد. وقوله: { بكلمة منه } هو المسيح سماه الله كلمة على قول ابن عباس وقتادة وذلك يحتمل ثلاثة أوجه: سمي بذلك، لأنه كان بكلمة الله من غير والد وهو قوله:كن فيكون } الثاني - لأن الله تعالى بشر به في الكتب السالفة، كما تقول: الذي يخبرنا بأمر يكون [إذا خرج موافقاً لأمره] قد جاء في قول لي وكلامي. فمن البشارة به في التوراة آتانا الله من سببنا، فأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران. وساعير هو الموضع الذي بعث منه المسيح (ع). الثالث - لأن الله يهدي به كما يهدي بكلمته. والقول الثاني مما قيل في الكلمة: أنها بمعنى البشارة كأنه قيل ببشارة منه: ولد اسمه المسيح والتأويل الأول أقوى، لقوله:إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } ولأنه معلوم من دين المسلمين أن كلمة الله المسيح (ع). وإنما ذكر الضمير في اسمه وهو عائد إلى الكلمة، لأنه واقع على مذكر، فاذا ذكر ذهب إلى المعنى، واذا أنث ذهب إلى اللفظ. وقيل في تسمية المسيح مسيحاً: قولان:

أحدهما - قال الحسن، وسعيد: لأنه مُسح بالبركة. وقال آخرون: لأنه مُسح بالتطهر من الذنوب. وقال الجبائي سمي بذلك، لأنه مُسح بدهن زيت بورك فيه. وكانت الانبياء تتمسح به. فان قيل: يجب على ذلك أن يكون الانبياء كلهم يسمون مسيحاً؟ قلنا: لا يمتنع أن يختص بذلك بعضهم، وإن كان المعنى في الجميع حاصلا، كما قالوا في ابراهيم خليل الله. وأصله ممسوح عدل عن مفعول إلى فعيل. وقوله: { وجيهاً } نصب على الحال. ومعنى الوجيه الكريم على من يسأله لأنه لا يرده لكرم وجهه عنده، خلاف من يبذل وجهه للمسألة فيرد، يقال منه وجه الرجل يوجه وجاهة، وله جاه عند الناس وجاهة أي منزلة رفيعة. قوله: { ومن المقربين } معناه إلى ثواب الله وكرامته، وكذلك التقرب إلى الله إنما هو التقرب إلى ثوابه وكرامته. وفي الآية دلالة على تكذيب اليهود في الفرية على أم المسيح وتكذيب النصارى في ادعاء إلهيته على ما ذكره محمد بن جعفر بن الزبير وغيره.