الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

معنى اصطفى: اختار واجتبى وأصله من الصفوة، وهذا من حسن البيان الذي يمثل فيه المعلوم بالمرئي وذلك أن الصافي هو النقي من شائب الكدر فيما يشاهد فمثل به خلوص هؤلاء القوم من الفساد لما علم الله ذلك من حالهم لأنهم كخلوص الصافي من شائب الادناس. فان قيل: بماذا اختارهم أباختيار دينهم أو بغيره؟ قيل فيه ثلاثة أقوال:

أحدها - بمعنى أنه اختار دينهم واصطفاه، كما قال:واسأل القرية } وهذا قول الفراء:

و [الثاني] قال الزجاج واختاره الجبائي. انه اختيارهم للنبوة على عالمي زمانهم.

الثالث - قال البلخي: بالتفضيل على غيرهم بما رتبهم عليه من الامور الجليلة، لما في ذلك من المصلحة.

والاصطفاء هو الاختصاص بحال خالصة من الادناس. ويقال ذلك على وجهين. يقال: اصطفاه لنفسه أي جعله خالصاً له يختص به. والثاني - اصطفاه على غيره أي اختصه بالتفضيل على غيره وهو معنى الآية فان قيل: كيف يجوز اختصاصهم بالتفضيل قبل العمل؟ قيل: إذا كان في المعلوم أن صلاح الخلق لا يتم إلا بتقديم الاعلام لذلك بما قدم من البشارة بهم، والاخبار بما يكون من حسن أفعالهم والتشويق إليهم بما يكون من جلالتهم إلى غيره من الآيات التي تشهد لهم، والقوى في العقول والافهام التي كانت لهم، وجب في الحكمة تقديم ذلك لما فيه من حسن التدبير.

فان قيل: من آل ابراهيم؟ قيل: قال ابن عباس، والحسن: هم المؤمنون الذين على دينه، فيكون بمعنى اختصهم بميزة كانت منهم على عالمي زمانهم. وقيل: آل عمران هم آل ابراهيم كما قال: { ذرية بعضها من بعض } فهم موسى وهرون ابنا عمران. وقال الحسن: آل عمران المسيح، لأن أمه مريم بنت عمران. وفي قراءة أهل البيت " وآل محمد على العالمين ". وقال أيضاً: إن آل إبراهيم: هم آل محمد الذين هم أهله. وقد بينا فيما مضى أن الآل بمعنى الأهل. والآية تدل على أن الذين اصطفام معصومون منزهون، لأنه لا يختار ولا يصطفي إلا من كان كذلك، ويكون ظاهره وباطنه واحداً، فاذاً يجب أن يختص الاصطفاء بآل إبراهيم وآل عمران من كان مرضياً معصوماً سواء كان نبياً أو إماماً.