الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ }

المعنى:

معنى { ألم تر } ألم تعلم { إلى الذين أوتوا } معناه الذين أعطوا { نصيباً } أي حظاً وإنما قيل { أوتوا نصيباً } منه، لأنهم يعلمون بعض ما فيه { من الكتاب } قال ابن عباس، والزجاج، والجبائي: إنه التوراة دعي إليها اليهود فأبوا لعلمهم بلزوم الحجة عليهم بما فيه من الدلالة على نبوة نبينا (صلى الله عليه وسلم) وتصديقه. والثاني - قال الحسن، وقتادة: دعوا إلى القرآن، لأن ما فيه موافق ما في التوراة في أصول الديانة وأركان الشريعة. وفي الصفة التي تقدمت البشارة بها.

والحكم الذي دعوا فيه إلى الكتاب يحتمل ثلاثة أشياء: أحدها - أن يكون نبوة النبي (صلى الله عليه وسلم). والثاني - أن يكون أمر إبراهيم فان دينه الاسلام. والثالث - أن يكون حداً من الحدود، لأنهم نازعوا في ذلك، وليس في القرآن دليل على تعيين ذلك وإنما هو محتمل لكل واحد منها.

والفرق بين الدعاء إلى الشيء والأمر به أن الأمر له صيغة مخصوصة وفيه زجر عن المخالفة عند من قال: إنه يقتضي الايجاب. والدعاء قد يكون بالخبر وغيره من الدلالات على معنى الخبر وإنما دعوا إلى المحاكمة لتظهر الحجة فأبوا إلا المخالفة. والحكم هو الخبر الذي يفصل الحق من الباطل بامتناعه من الالباس وهو مأخوذ من الحكمة. وهو الخبر الذي توجب صحته الحكمة. وإنما يقال حكم بالباطل لأنه جعل موضع الحق باطلا بدلا منه. وقولهم ليس هذا حكم كذا معناه ليس هذا حقه فانما دعوا إلى كتاب الله ليفصل الحق من الباطل فيما اختلفوا فيه. ومعنى قوله: { يتولى فريق منهم وهم معرضون } فالتولي عن الشيء هو الاعراض عنه، فليس على وجه التكرار لأن معناه يتولى عن الداعي، وهو معرض عما دعا إليه، لأنه قد كان يمكنه أن يتولى عنه وهو متأمل لما دعا إليه، فلما لم يفعل كان العيب له ألزم والذم على ما فعل أعظم.