الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

اختلفوا في تأويل هذه الآية، فقالْ قوم: معنى اصبروا اثبتوا على دينكم وصابروا الكفار ورابطوهم يعني في سبيل الله ذهب إليه الحسن، وقتادة، وابن جريج، والضحاك وقال آخرون: معناها { اصبروا } على دينكم { وصابروا } الوعد الذي وعدتكم به { ورابطوا } عدوّي وعدوكم ذهب إليه محمد بن كعب القرظي. وقال آخرون { اصبروا } على الجهاد { وصابروا عدوكم ورابطوا } الخيل عليه ذهب إليه زيد بن أسلم. وقال آخرون: رابطوا الصلوات أي انتظروها واحدة بعد واحدة، لأن المرابطة لم تكن حينئذ وهذا مروي عن علي (ع) ذهب إليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وجابر بن عبد الله وأبو هريرة والأولى أن تحمل الآية على عمومها في الصبر على كل ما هو من الدين، فعلا كان أوتركا.

وأصل الرباط ارتباط الخيل للعدو، والربط الشد، ومنه قولهم: ربط الله على قلبه بالصبر، ثم استعمل في كل مقيم في ثغر يدفع عمن وراء من أرادهم بسوء وينبغي أن يحمل قوله رابطوا أيضاً على المرابطة لما عند الله لأنه العرف في استعمال الخبر، وعلى انتظار الصلاة واحدة بعد أخرى. وقوله: { واتقوا الله } معناه اتقوا ان تخالفوه فيما يأمركم به لكي تفلحوا [وتفوزوا] بنعيم الابد وتنجحوا بطاعتكم من الثواب الدائم.

وروي عن أبي جعفر (ع) انه قال اصبروا على المصائب، وصابروا على عدوكم، ورابطوا عدوكم. وانما جمع بين { اصبروا وصابروا } من أن المصابرة من الصبر، للبيان عن تفصيل الصبر الذي يعني به في الذكر لأن المصابرة صبر على جهاد العدو يقابل صبره لأن المفاعلة بين اثنين.

وإنما وصف (أي) بالموصول ولم يوصف بالمضاف، لأن (الذي) يجري مجرى الجنس، لأن فيه الالف واللام بمنزلة قوله يا أيها المؤمنون، ولا يجوز يا أيها أخو زيد، لأنه لا يصح فيه الجنس.