الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ }

قرأ أبو جعفر (لكن) بتشديد النون وفتحها - ها هنا وفي (الزمر) - وقرأ أبو عمرو والكسائي، وحمزة في أكثر الروايات (الاشرار، والابرار، والقرار) بالامالة. الباقون - بالتفخيم - والامالة في فتحة الراء حسنة، لأن الراء المكسورة تغلب المفتوحة كما غلبت المستعلي في قولهم: قارب وطارد، وقادر فيمن أمالهن، فاذا غلبت المستعلي، فان تغلب الراء المفتوحة أولى، لأنه لا استعلاء في الراء، وإنما هو حرف من مخرج اللام فيه تكرير. ومن لم يمل، فلأن كثيراً من الناس لا يميل شيئاً من ذلك.

لما أخبر الله تعالى عما للكفار من سوء العاقبة وأنواع العذاب بشر المؤمنين بما أعد لهم من الجزاء عند الله وجزيل الثواب، فقال: { لكن الذين اتقوا ربهم } بفعل الطاعات، وترك المعاصي { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله } يعني ثواباً من عند الله، وهو نصب على المصدر على وجه التأكيد، لأن خلودهم فيها انزالهم فيها، كأنه قال: نزلوها نزلا، وهو بمعنى أنزلوها انزالا. ويحتمل أن يكون نصباً على التفسير، كقولك: هو لك هبة. وواحد الابرار بار: مثل صاحب، وأصحاب. ويجوز أن يكون بر وأبرار - على فعل وأفعال - تقول: بررت والدي، فانا بر. وأصله برر لكن ادغمت الراء للتضعيف. وقوله: { وما عند الله خير } يعني من الحبا والكرامة، وحسن المآب خير للابرار مما يتقلب فيه الذين كفروا، لأن ما يتقلبون فيه زائل فان قليل، وما عند الله دائم غير زائل. وقد بينا معنى (لكن) فيما مضى، وانها للاستدراك بها خلاف المعنى المتقدم من اثبات بعد نفي أو نفي بعد اثبات. فقوله: { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } يتضمن معنى فما لهم كبير نفع، فجاء على ذلك، { لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات } وقوله: { تجري من تحتها الأنهار } معناه تجري من تحت شجرها.

ويقال انها تجري معلقة من غير أخدود لها. روي ذلك عن عبد الله بن مسعود، ثم قال: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها، وقوله في الفاجرة: إن الموت خير لها يعني إذا كانت تدوم على فجورها.