الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

القراءة والحجة والاعراب:

قرأ أهل الكوفة ويعقوب " لا تحسبن " بالتاء وفتح الباء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء، وضم الباء. الباقون بالياء وفتح الباء. " وتحسبنهم " الاخير بالتاء بلا خلاف. قال أبو علي من قرأ بالياء، لم يوقع يحسبن على شيء، (والذين) رفع بأنه فاعل (لا تحسبن) قال: ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعديا (حسبت) إلى مفعوليه ان (يحسب) في قوله: { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } لما جعل بدلا من الأول وعدّي إلى مفعوليه استغنى بها في تعدية الأول إليهما كما استغنى في قول الشاعر:
بأي كتاب أم بأية سنة   ترى حبهم عاراً علي وتحسب
فاكتفى بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليها. فان قال قائل: كيف يستقيم تقدير البدل، وقد دخل الفاء بينهما، ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ والجواب أن الفاء زائدة، يدلك على ذلك أنها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، لأن ما قبل الفاء ليس بمبتدأ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة، لأن المعنى { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } ويحبون أنفسهم { بمفازة من العذاب } فاذا كان ذلك لم يجز تقدير العطف، لأن الكلام لم يستقل بعد فيستقيم فيه تقدير العطف. وأما قوله: { فلا تحسبنهم } فان فعل الفاعل الذي هو يحسبون تعدى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون الثقيلة. وقوله: { بمفازة من العذاب } في موضع المفعول الثاني، وفيه ذكر المفعول الأول. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدى إلى ضمير نفسه نحو ظننتني أخاه، لأن هذه الأفعال لما كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت (إن) واخواتها في دخولهن على الابتداء والخبر كدخول هذه الافعال عليهما، وذلك نحو قولك: ظننتني ذاهباً، كما تقول: إني ذاهب، ولو قلت أظن نفسي تفعل، لم يجز كما يجوز أظننتني فاعلا. وقال أبو سعيد الخدري، وأبو وهب، والزجاج: المعني بهذه الآية قوم من أهل الكتاب دخلوا على النبي (صلى الله عليه وسلم) وخرجوا من عنده، فذكروا لمن كان رآهم في ذلك الوقت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أتاهم باشياء قد عرفوها، فحمدهم من شاهدهم من المسلمين على ذلك، وأظهروا خلاف ما أبطنوا، وأقاموا فيما بعد على الكفر، فأعلم الله تعالى نبيه أنهم ليسوا بمفازة أي ليسوا ببعد من العذاب. وقيل معناه ليسوا بمنجاة من العذاب، ووقعت، { فلا تحسبنهم } مكررة لطول القصة كما يقولون: لا تظنن زيداً إذا جاءك كلمك بكذا وكذا، فلا تظننه صادقاً، فيعيد فلا تظننه توكيداً، واعلاماً ان ذلك يتعلق بالأول، ولو لم يكرر كان جائزاً، لكن مع التأكيد أوضح.

السابقالتالي
2