الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

المعنى واللغة:

هذا إخبار عن الربيين الذين ذكرهم في الآية الاولى بأنهم كانوا يقولون في أكثر أحوالهم { ربنا اغفر لنا ذنوبنا } لأن من المعلوم أنهم قد كانوا يقولون أقوالا غير هذا، لكن لما كان هذا هو الأكثر لم يعتد بذلك. وقيل: معناه وما كان قولهم حين قتل نبيهم إلا هذا القول انقطاعاً إلى الله وطلباً لمغفرته. وقوله: { اغفر لنا ذنوبنا } أي استرها علينا بترك عقابنا، ومجازاتنا عليها { وإسرافنا في أمرنا } فالاسراف هو مجاوزة المقدار الذي تقتضيه الحكمة. والاسراف مذموم، كما أن الاقتار مذموم، كما قال تعالى:ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } وكما قالوالذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } والاسراف، والافراط بمعنى، وضدهما التقصير والتقتير. وقيل الاسراف مجاوزة الحق إلى الباطل بزيادة أو نقصان. والأول أظهر. وأصل الاسراف مجاوزة الحد يقال: سرفت القوم إذا جاوزتهم، وأنت لا تعرف مكانهم وسرفت الشيء إذا نسيته لانك جاوزته إلى غيره بالسهو عنه. ويقال: أصنع من سرفة، وهي دويبة صغيرة تنقب الشجر، وتبني فيه بيتاً.

إن قيل: كيف قوبل الذنوب والاسراف في الامر؟ قلنا: قال الضحاك: هو بمنزلة اغفر لنا الصغير والكبير من خطايانا.

الاعراب، والمعنى:

و { قولهم } نصب بأنه خبر (كل) والاسم { أن قالوا } ، وانما اختير ذلك، لأن ما بعد الايجاب معرفة، فهو أحق بأن يكون الاسم، كقول الشاعر:
وقد علم الاقوام ما كان داءها   بثهلان إلا الخزيُ ممن يقودها
ويجوز الرفع على أنه اسم (كان) وقد قرئ به في الشواذ. ومثله قوله:ما كان حجتهم إلا أن قالوا } وما كان جواب قومه إلا أن قالوا } وقوله: { وثبت أقدامنا } أي أعنا وألطف لنا بما تثبت معه أقدامنا وإن كان ثبوت القدم من فعل العباد لكن لما كان بلطفه ومعونته جاز نسبته إليه مجازا.