الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ }

المعنى، والاعراب، واللغة:

قيل في السبب الذي اقتضى قوله: { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } قولان:

أحدهما - التسلية عما يلحق النفس بموت النبي (صلى الله عليه وسلم) من جهة أنه باذن الله عز وجل.

الثاني - للحض على الجهاد من حيث لا يموت أحد إلا باذن الله تعالى. وقوله: { إلا بإذن الله } يحتمل أمرين:

أحدهما - إلا بعلمه. والثاني إلا بأمره. وقال أبوعلي: الآية تدل على أنه لا يقدر على الموت غير الله، كما لا يقدر على ضده من الحياة إلا الله، ولو كان من مقدور غيره لم يكن باذنه، لأنه عاص لله في فعله.

وقوله: { كتاباً مؤجلاً } نصب على المصدر بفعل محذوف دل عليه أول الكلام مع العلم بأن كلما يكون فقد كتبه الله، فتقديره كتب الله ذلك { كتاباً مؤجلاً }. ويجوز أن يدل على الفعل المحذوف مصدره المنتصب به. وقوله: { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها } قيل في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها - من عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له فيها من غير حظ في الآخرة - في قول ابن اسحاق - أي فلا يغتر بحاله في الدنيا.

[الثاني] ـ من أراد بجهاده ثواب الدنيا أي النصيب من الغنيمة في قول أبي علي الجبائي.

الثالث - من يرد ثواب الدنيا بالتعرض له بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا من غير حظ في الآخرة لاحباط عمله بفسقه على مذهب من يقول بالاحباط، ومن يرد بعمله ثواب الآخرة نؤته إياها. و (من) في قوله: " منها " تكون زائدة. ويحتمل أن تكون للتبعيض، لأنه يستحق الثواب على قدر عمله. وإنما كرر قوله: { وسنجزي الشاكرين } ها هنا، وفي الآية الأولى، لأمرين:

أحدهما - للتأكيد ليتمكن المعنى في النفس.

الثاني - { وسنجزي الشاكرين } من الرزق في الدنيا، عن ابن اسحاق لئلا يتوهم ان الشاكر يحرم ما يعطاه الكافر مما قسم له في الدنيا. وقال الجبائي في الآية دلالة على أن اجل الانسان إنما هو أجل واحد. وهو الوقت الذي يموت فيه، لأنه لا يقتطع بالقتل عن الأجل الذي أخبر الله أنه اجل لموته. وقال ابن الاخشاذ: لا دليل فيه على ذلك، لأن للانسان أجلين أجل يموت فيه لا محالة، وأجل هو موهبة من الله تعالى له، ومع ذلك فلن يموت إلا عند الأجل الذي جعله الله أجلا لموته. والأقوى الأول، لأن الاجل عبارة عن الوقت الذي يحدث فيه الموت أو القتل، وبالتقدير لايكون الشئ أجلا كما لا يكون بالتقدير ملكا، وقد بينا في شرح الجمل ذلك مستوفى.