الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }

القراءة، واللغة:

قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً { قرح } بضم القاف. والباقون بفتحها. والفرق بينهما أن القرح - بفتح القاف - الجراح، والقرح - بالضم - ألم الجراح على قول أكثر المفسرين. وقيل هما لغتان.

المعنى، والنزول:

وقال ابن عباس، والحسن، والربيع: القرح ما أصاب المسلمين يوم أحد وأصاب المشركين يوم بدر. وقال الزهري، وقتادة، وابن أبي نجيح: هذه الآية نزلت تسلية للمسلمين لما نالهم يوم أحد من القتل، والجراح، وكان سبب نزول الآية ما قدمنا ذكره من أن الله تعالى أراد أن يرعب الكفار، فأمر المسلمين أن يتبعوا المشركين على ما بهم من الجراح، والألم وحثهم على ذلك ونهاهم عن الوهن والحزن، ووعدهم بأنهم الاعلون إن تمسكوا بالايمان، لأن المشركين كانوا هموا بالعود إلى المدينة، والغارة فيها، فلما بلغهم عزيمة المسلمين على تتبعهم خافوهم. وقال بعضهم لبعض يوشك أن يكون انضم إليهم من كان قعد عنهم، وأعانهم أحلافهم من بني قريظة، والنضير فدسوا نعيم بن مسعود الأشجعي وبذلوا له عشر قلائص على أن يثبط المسلمين عن تتبعهم، ويقول: إنهم تجمعوا وانضم إليهم حلفاؤهم، وهم يريدونكم ولا طاقة لكم بهم، وأسرعوا المسير إلى مكة فأوحى الله بذلك إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وأعلمه ما قالوا لنعيم، فلما قال لهم ما قال، قال المسلمون: { حسبنا الله ونعم الوكيل } وفيهم نزلت الآيةالذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } إلى قوله:والله ذو فضل عظيم } وما بعده. وإنما قال: { إن كنتم مؤمنين } مع أنهم كانوا مؤمنين للبيان عن ان الايمان يوجب تلك الحال، وتقديره إن من كان مؤمناً يجب عليه ألا يهن ولا يحزن، لثقته بالله. ويحتمل أيضاً أن يكون معناه إن كنتم مصدقين بوعدي لكم بنصرتي إياكم حتى تستعلوا على عدوكم، وتظفروا بهم.

اللغة، والاعراب، والمعنى:

والوهن الضعف، وهن يهن وهنا، فهو واهن: إذا ضعف. وأوهنه يوهنه ايهاناً. وتوهن توهناً، ووهنه توهيناً. والوهن: ساعة تمضي من الليل. والواهن عرق مستبطن حبل العاتق إلى الكتف.

وقوله: { وأنتم الأعلون } جملة في موضع الحال، كأنه قال لا تحزنوا عالين أي منصورين على عدوكم، ويحتمل أن لا يكون لها موضع من الاعراب، لأنها اعتراض بوعد مؤكد، وتقديره { ولا تهنوا ولا تحزنوا } { إن كنتم مؤمنين } { وأنتم } مع ذلك { الأعلون }.

وأصل الاعلون الأعلوون، فحذفت احدى الواوين استثقالا، وهي الاصلية وبقيت واو الجمع، لأنها لمعنى. فأما في التثنية فتقول: إنتما الاعليان، فتقلب الواو ياء، ولا تحذفها، لأنه ليس هناك ضرورة.

وقوله: { إن يمسسكم } فالمس هو اللمس بعينه، وقيل الفرق بينهما أن اللمس لصوق باحساس والمس لصوق فقط وقال ابن عباس: معناه إن يصبكم.

السابقالتالي
2