الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

المعنى:

فان قيل كيف قال { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } وعندكم يجوز أن يدخلها الفساق أيضاً. وعند المعتزلة كلهم يدخلها الفساق قطعاً. وهلا قال: أعدت للجميع؟ قلنا أما على ما نذهب إليه، ففائدة ذلك اعلامنا أنها أعدت للكافرين قطعاً. وذلك غير حاصل في الفساق، لأنا نجوز العفو عنهم. ومن قال أعدت للفساق قال اضيفت إلى الكافرين، لأنهم أحق بها. وإن كان الجميع يستحقونها، لأن الكفر أعظم المعاصي فاعدت النار للكافرين. ويكون غيرهم من الفساق تبعاً لهم في دخولها. فان قيل: فعلى هذا هل يجوز أن يقال: ان النار أعدت لغير الكافرين من الفاسقين؟ قلنا عن ذلك أجوبة:

أحدها - قال الحسن يجوز ذلك، لأنه من الخاص الذي معه دلالة على العام، كما قال:يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } وليس كل من دخل النار كفر بعد إيمانه. ومثله قوله:كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } وليس كل الكفار يقول ذلك. ومنه قوله:فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون. قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين } وليس كل الكفار سووا الشياطين برب العالمين.

والثاني - أنه لا يقال أعدت لغيرهم من الفاسقين، لأن اعدادها للكافرين من حيث كان عقابهم هو المعتمد وعقاب الآخرين له تبع، كما قال:وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } ولا خلاف أنه يدخلها الاطفال والمجانين إلا أنهم تبع للمتقين، لأنه لولاهم لم يدخلوها. ولا يقال: إن الجنة أعدت لغير المتقين.

الثالث - أن تكون هذه النار ناراً مخصوصة فيها الكفار خاصة دون الفساق وان كان هناك نار أخرى يدخلها الفساق، كما قال:لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى } وكما قال:إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } وهذا قول أبي علي. واستدل البلخي بهذه الآية على أن الربا كبيرة، لأن تقديره { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } ان يأكلوا الربا، فيستحقونها. والاجماع حاصل على أن الربا كبيرة، فلا يحتاج إلى هذا التأويل، لأن الآية يكمن أن يقول قائل: إنها بمعنى الزجر والتحذير عن الكفر، فقط

وقوله: " أعدت " فالاعداد هو تقديم عمل الشيء لغيره مما هو متأخر عنه وقد قدم فعل النار ليصلاها الكفار. والاعداد والايجاد والتهيئة والتقدمة متقاربة المعنى وقوله: { وأطيعوا الله والرسول }: أمر بالطاعة لله ورسوله. والوجه في الأمر بالطاعة لله ورسوله مع أن العقل دال عليه يحتمل أمرين:

أحدهما - أن يكون ذلك تأكيداً لما في العقل، كما وردت نظائره، كقوله:ليس كمثله شيء } ولا تدركه الأبصار } وغير ذلك.

والثاني - لاتصاله بأمر الربا الذي لا تجب الطاعة فيه إلا بالسمع، لأنه ليس مما يجب تحريمه عقلا كما يجب تحريم الظلم بالعقل، فان قيل: إذا كانت طاعة الرسول طاعة الله فما وجه التكرار؟ قلنا عنه جوابان:

أحدهما - المقصود بها طاعة الرسول فيما دعا إليه مع القصد لطاعة الله تعالى.

السابقالتالي
2