الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

القراءة، والحجة:

قرأ أهل المدينة، وأبان عن عاصم، وابن شاهي عن حفص " ترونهم " بالتاء الباقون بالياء. من قرأ بالياء، فلأن الخطاب لليهود والخبر عن غيرهم ممن حضر بدراً. ومن قرأ بالتاء وجه الخطاب إلى الجميع.

اللغة، والمعنى، والاعراب:

الآية: العلامة، والدلالة على صدق النبي (صلى الله عليه وسلم). والفئة الفرقة من فأوت رأسه بالسيف إذا فلقته. وقال ابن عباس: ها هنا هم المؤمنون من أهل بدر ومشركوا قريش، وبه قال الحسن، ومجاهد. وقوله: { فئة } يحتمل ثلاثة أوجه من الاعراب: الرفع على الاستئناف بتقدير منهم فئة كذا، وأخرى كذا. ويجوز الجر على البدل. ويجوز النصب على الحال كقول كثير:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة   ورجل رمى فيها الزمان فشلت
أنشد بالرفع والجر وقال ابن مفرغ:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة   ورجل رماها صائب الحدثان
فأما التي صحت فأزد شنوءة   وأما التي شلت فأزد عمان
وقال آخر:
إذا مت كان الناس نصفين شامت   وآخر مثن بالذي كنت أصنع
ولا يجوز أن تقول مررت بثلاثة صريع وجريح بالجر، لأنه لم يستوف العدة ولكن يجوز بالرفع على تقدير منهم صريع ومنهم جريح. فان قلت: مرررت بثلاثة صريع، وجريح، وسليم، جاز فيه الرفع والجر، فان زدت فيه اقتتلوا جاز فيه الأوجه الثلاثة. ولم يقرأ إلا بالرفع.

المعنى:

وقال ابن مسعود، والحسن: الفئة: المسلمة هي التي كانت ترى الكافرة مثليهم. وقال السدي: رأى المشركون المسلمين مثل عددهم، لأنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر فرأوهم أضعاف ذلك. وهذا يحتمل على قراءة من قرأ بالياء، فأما من قرأ بالتاء، فلا يحتمل ذلك إلا أن يكون الخطاب لليهود الذين ما حضروا وهم المعنيون بقوله: { مثل الذين كفروا } وهم يهود بني قينقاع فكأنه قيل لهم ترون المشركين مثلي المسلمين مع أن الله ظفرهم بهم، فلا تغتروا بكثرتكم. واختار البلخي هذا الوجه واختلفوا في عدة المشركين يوم بدر، فروي عن علي (ع) وابن مسعود أنهم كانوا الفاً. وقال عروة بن الزبير، وقتادة، والربيع كانوا بين تسعمائة إلى الالف وأما عدة المسلمين، فثلاثمائة وبضعة عشر في قول قتادة، والربيع، وأكثر المفسرين. وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع). ومعنى " يرونهم مثليهم " يحتمل وجوهاً أحدها - ما روي عن ابن مسعود، وغيره من أهل العلم أن الله قلل المشركين يوم بدر في أعين المسلمين لتقوى قلوبهم فرأوهم مثلي عدتهم. وقال الفراء يحتمل ثلاثة أمثالهم كما يقول القائل إلى الف واحتاج إلى مثليه أي مضافاً إليه لا بمعنى بدلا منه، فكذلك ترونهم مثليهم مضافاً إليهم فذلك ثلاثة أمثالهم، وأنكر هذا الوجه الزجاج، لمخالفته لظاهر الكلام.

السابقالتالي
2