الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }

المعنى:

ذكر ابن عباس، والحسن: أن قوماً من المؤمنين خافوا بعض المشركين من اليهود، والمنافقين المودة لما كان بينهم في الجاهلية فنهاهم الله تعالى عن ذلك بهذه الآية. والبطانة معناها ها هنا خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره ويسمون دخلاء أي لا تجعلوا من هذه صفته من غير المؤمنين.

اللغة، والاعراب:

والبطن خلاف الظهر، فمنه بطانة الثوب خلاف ظهارته، لأنها تلي بطنه. وبطانة الرجل خاصته، لأنها بمنزلة ما يلي بطنه من ثيابه في القرب منه، ومنه البطنة وهو امتلاء البطن بالطعام. والبطان حزام البعير، لأنه يلي بطنه.

وقوله { من دونكم } (من) تحتمل وجهين:

أحدهما - أن تكون دخلت للتبعيض، والتقدير لا تتخذوا بعض المخالفين في الدين بطانة.

والثاني - أن يكون دخولها لتبين الصفة كأنه قيل: لا تتخذوا بطانة من المشركين. وهو أعم وأولى، لأنه لا يجوز أن يتخذ مؤمن كافراً بطانة على حال وقال بعضهم إن (من) زائدة، وهذا ليس بجيد، لأنه لا يجوز أن يحكم بالزيادة مع صحة حملها على الفائدة.

وقوله: { لا يألونكم خبالاً } معناه لا يقصرون في أمركم خبالا من قولهم ما ألوت في الحاجة جهداً، ولا أألو الامر ألوا أي لا أقصر جهداً. وقال الشاعر:
جهراء لا تألو إذا هي أظهرت   بصراً ولا من علية تغنيني
أي لا تقصر بصراًَ ولا تبصر، لأنها جهراء تطلب ذلك، فلا تجده. ومنه الالية اليمين. ومنه قوله:ولا يأتل أولوا الفضل منكم } معناه لا يقصر، وقيل لا يحلف. والأصل التقصير والخبال معناه النكال. وأصله الفساد يقال في قوائمه خبل، وخبال أي فساد من جهة الاضطراب. ومنه الخبل الجنون، لأنه فساد العقل، ورجل مخبل الرأي أي فاسد الرأي. ومنه الاستخبال طلب إعادة المال لفساد الزمان.

المعنى:

وقوله: { ودوا } معناه أحبوا { ما عنتم } معناه إدخال المشقة عليكم. وقال السدي: معناه { ودوا } ضلالكم عن دينكم، لأن الحمل بالضلال مشقة. وقبل معناه { ودوا } أن يفتنوكم في دينكم أي يحملونكم على المشقة ذكره ابن جريج.

اللغة:

وأصل العنت المشقة: عنت الرجل عنتاً إذا دخلت عليه المشقة. ومنه أكمة عنوت أي صعبة المسلك لمشقة السلوك فيها. وفلان يعنت فلاناً أي يحمله على المشقة الشديدة في ما يطالبه به. ومنه قوله تعالى:ولو شاء الله لأعنتكم } الاعراب، والمعنى:

وموضع ودوا يحتمل أن يكون نصباً لأنه صفة لبطانة ويجوز أن يكون له موضع من الاعراب، لأنه استئناف جملة. وقوله: { قد بدت البغضاء من أفواههم } أي ظهر منها ما يدل على البغض { وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات } يعني العلامات { إن كنتم تعقلون } يعني موضع نفعه لكم ومبلغ عائدته عليكم. وقيل: معناه { إن كنتم تعقلون } الفصل بين ما يستحقه الولي والعدو.