الاعراب، والمعنى: قوله: { ولتكن } أمر واللام لام الأمر وإنما سكنت مع الواو ولم يكن لام الاضافة لأن تسكين لام الامر يؤذن بعملها أنه الجزم، وليس كذلك لام الاضافة. ولم يسكن مع ثم، لأن ثم بمنزلة كلمة منفصلة. وقوله: { منكم أمة } " من " ها هنا للتبعيض على قول أكثر المفسرين، لأن الأمر بانكار المنكر، والامر بالمعروف متوجه إلى فرقة منهم غير معينة، لأنه فرض على الكفاية فأي فرقة قامت به سقط عن الباقين. وقال الزجاج التقدير " وليكن " جميعكم و (من) دخلت لتخص المخاطبين من بين سائر الاجناس، كما قال:{ فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وقال الشاعر:
أخو رغائب يعطيها ويسلبها
يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
لانه وصفه باعطاء الرغائب، والنوفل الكثير الاعطاء للنوافل. والزفر: الذي يحمل الأثقال، فعلى هذا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من فرض الاعيان لا يسقط بقيام البعض عن الباقين. وهو الذي اختاره الزجاج، وبه قال الجبائي، واختاره. اللغة: والأمة في اللغة تقسم خمسة أقسام: أحدها - الجماعة. والثاني - القامة. والثالث - الاستقامة. والرابع - النعمة والخامس القدوة. والأصل في ذلك كله القصد من قولهم: أمه يؤمه. أماً إذا قصده، فالجماعة سميت أمة لاجتماعها على مقصد واحد. والأمة: القدوة، لأنه تأتم به الجماعة. والأمة النعمة، لأنها المقصد الذي هو البغية. والامة القامة، لاستمرارها في العلو على مقصد واحد. والمعروف هو الفعل الحسن الذي له صفة زائدة على حسنه. وربما كان واجباً أو ندباً، فان كان واجباً فالأمر به واجب. وان كان ندباً فالامر به ندب. والمنكر هو القبيح فالنهي عنه كله واجب. والانكار هو إظهار كراهة الشيء لما فيه من وجه القبح، ونقيضه الاقرار وهو إظهار تقبل الشيء من حيث هو صواب حسن. المعنى: والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بلا خلاف وأكثر المتكلمين يذهبون إلى أنه من فروض الكفايات. ومنهم من قال من فروض الاعيان، وهو الصحيح على ما بيناه. واختلفوا، فقال جماعة ان طريق وجوب انكار المنكر العقل، لأنه كما تجب كراهته وجب المنع منه إذا لم يمكن قيام الدلالة على الكراهة. وإلا كان تاركه بمنزلة الراضي به. وقال آخرون وهو الصحيح عندنا: إن طريق وجوبه السمع وأجمعت الأمة على ذلك، ويكفي المكلف الدلالة على كراهته من جهة الخير وما جرى مجراه وقد استوفينا ما يتعلق بذلك في شرح جمل العلم. فان قيل هل يجب في إنكار المنكر حمل السلاح؟ قلنا: نعم إذا احتيج إليه بحسب الامكان، لأن الله تعالى قد أمر به، فاذا لم ينجح فيه الوعظ والتخويف، ولا التناول باليد وجب حمل السلاح، لأن الفريضة لا تسقط مع الامكان إلا بزوال المنكر الذي لزم به الجهاد إلا أنه لا يجوز أن يقصد القتال إلا وغرضه إنكار المنكر. وأكثر أصحابنا على أن هذا النوع من إنكار المنكر لا يجوز الاقدام عليه إلا باذن سلطان الوقت. ومن خالفنا جوز ذلك من غير الاذن مثل الدفاع عن النفس سواء. وقال البلخي: إنما يجوز لسائر الناس ذلك إذا لم يكن إمام، ولا من نصبه، فأما مع وجوده، فلا ينبغي، لأحد أن يفعل ذلك إلا عند الضرورة. وقوله: { وأولئك هم المفلحون } معناه هم الفائزون بثواب الله، والخلاص من عقابه.