الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قرأ يحيى والعليمي { ثم إلينا يرجعون } بالياء على الخبر عن الغائب. الباقون بالتاء على الخطاب. وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { لنثوينهم } بالثاء من أثويته منزلاً أي جعلت له منزل مقام، والثواء المقام، الباقون بالباء من قولهم: بوأته منزلا، كما قال تعالى { مبوء صدق } في قولهولقد بوأنا بني إسرائيل مبوء صدق } وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } ويحتمل ان تكون اللام زائدة، كقولهردف لكم بعض } ويحتمل ان يكون المراد { بوأنا } لدعاء إبراهيم { مكان البيت } ويقول القائل: اللهم بوّئنا مبوء صدق أى انزلنا منزل صدق والتبوء اتخاذ منزل يرجع اليه من يأوى اليه، وأصله الرجوع من قوله { باءوا بغضب من الله } أي رجعوا، ومنه قول الحارث ابن عباد: (بوئوا بشسع كليب) وقيل: معناه لننزلنهم من الجنة علالي.

يقول الله تعالى لخلقه الذين صدقوا بوحدانيته وأقروا بنبوة نبيه { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة } لبعد أقطارها، فاهربوا من أرض من منعكم فيها من الايمان واخلاص عبادتي فيها. وقيل: نزلت في مؤمني مكة أمروا بالهجرة عنها، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وابن زيد. وقيل { أرضي واسعة } بما أخرج فيها من الرزق لكم - ذكره مطرف بن عبد الله بن السخير العامري. وقال الجبائي: معناه إن ارض الجنة واسعة، واكثر اهل التأويل على ان المراد به ارض الدنيا.

وقوله { فاياي فاعبدون } أي اعبدوني خالصاً، ولا تطيعوا احداً من خلقي في معصيتي. وقيل: دخول الفاء في الكلام للجزاء وتقديره إن ضاق موضع بكم فاياي فاعبدون لأن أرضي واسعة. و (إياي) منصوب بمضمر يفسره ما بعده.

ثم اخبر تعالى ان { كل نفس } احياها الله بحياة خلقها فيها { ذائقة الموت } والذائق الواجد للجسم بحاسة إدراك الطعم { ثم إلينا ترجعون } أي تردون إلينا فنجازيكم على قدر استحقاقكم من الثواب والعقاب. وفي ذلك غاية التهديد والزجر. ثم قال { والذين آمنوا } أي صدقوا بوحدانية الله، وأقروا بنبوة نبيه صلى الله عليه وآله { وعملوا } مع ذلك الاعمال { الصالحات لنبوّءنهم } أي لننزلنهم { من الجنة } التي وعدها الله المتقين { غرفاً } أي مواضع عاليات { تجري من تحتها الأنهار } لان الغرف تعلو عليها. وقيل: تجري من تحت أشجارها المياه. وقيل: انهار الجنة في أخاديد تحت الارض { خالدين فيها } أي يبقون فيها ببقاء الله.

ثم اخبر تعالى ان ذلك { نعم أجر العاملين } أي نعم الثواب والأجر للعاملين بطاعة الله { الذين صبروا } على الأذى في الله، وصبروا على مشاق الطاعات، ووكلوا أمورهم إلى الله وتوكلوا عليه في ارزاقهم وجهاد اعدائهم ومهمات أمورهم.

ثم قال تعالى { وكأين من دابة } معنى كاين (كم) وقد فسرناه في ما مضى { لا تحمل رزقها } أي لا تدخره لغد - في قول علي بن الاقمر - وقال الحسن { لا تحمل رزقها } للادخار.

السابقالتالي
2