الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

خمس آيات كوفي وأربع فيما عداه عدوا { الم } آية. ولم يعده الباقون.

قال قتادة: نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا للهجرة فعرض لهم المشركون، فرجعوا، فنزلت الآية فيهم، فلما سمعوها خرجوا، فقتل منهم من قتل وخلص من خلص، فنزلت فيهموالذين جاهدوا فينا } وقيل: نزلت في عمار، ومن كان بقرب مكة - ذكره ابن عمر - وقيل: نزلت في قوم أسلموا قبل فرض الجهاد والزكاة، فلما فرضا منعا، فنزلت الآية فيهم.

قد بينا في غير موضع اختلاف الناس في ابتداء السور بحروف الهجاء وذكرنا أن أقوى الأقوال قول من قال: إنها اسماء للسور. وقال قوم: إنها اسماء للقرآن.

وقوله { الم أحسب الناس أن يتركوا } اختلف الناس في { الم } وقد ذكرناه فيما مضى. وقوله { أحسب الناس أن يتركوا } خطاب من الله لخلقه على وجه التوبيخ لهم بأن قال أيظن الناس أن يتركهم الله إذا قالوا آمنا أي صدقنا ونقتصر منهم على هذا القدر، والحسبان والظن واحد. وقوله { أحسب } معناه التوهم والتخيل. وقيل: الحسبان مشتق من الحساب، لأنه في حساب ما يعمل عليه. ومنه الحسيب، لانه في حساب ما يختبي، و { هم لا يفتنون } أي أيظنون أنهم لا يختبرون إذا قالوا آمنا؟!. والمعنى انهم يعاملون معاملة المختبر لتظهر الافعال التي يستحق عليها الجزاء. وقيل: في معنى { أن يقولوا آمنا } قولان: احدهما - يتركوا لأن يقولوا. الثاني - أحسبوا أن يقولوا على البدل وقال مجاهد: معنى { يفتنون } يبتلون في أنفسهم واموالهم. وقيل: معنى يفتنون يصابون بشدائد الدنيا أي ان ذلك لا يجب أن يرفع في الدنيا لقولهم آمنا. وقال ابن عمر: أظنوا ان لا يؤمروا ولا ينهوا. وقال الربيع: ألا يؤذوا ولا يقتلوا؟!

ثم اقسم تعالى انه فتن الذين من قبلهم { فليعلمن الله الذين صدقوا } في ايمانهم { وليعلمن الكاذبين } فيه. وانما قال { فليعلمن } مع أنه للاستقبال والله تعالى عليم فيما لم يزل، لحدوث المعلوم فلا تصح الصفة إلا على معنى المستقبل إذ لا يصلح ولا يصح لم يزل عالماً بأنه حادث، لانعقاد معنى الصفة بالحادث، وهو إذا حدث علمه تعالى حادثاً بنفسه. وقيل: معنى { وليعلمن الله الذين صدقوا } ليجازيهم بما يعلم منهم. وقيل: معناه يعلم الله الذين صدقوا في أفعالهم، كما قال الشاعر:
[ليث بعثر يصطاد الرجال] إذا   ما الليث كذب عن أقرانه صدقا
وقال ابن شجرة { فليعلمن الله } معناه فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق. وقال النقاش: معناه فليميزن الله الصادقين من الكاذبين. وهو قول الجبائي.

ثم قال تعالى ممدداً لخلقه { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } اي أيظن الذين يفعلون القبائح والمعاصي ان يفوتونا؟! كما يفوت السابق لغيره.

ثم قال { ساء ما يحكمون } اي بئس الشيء الذي يحكمون بظنهم. انهم يفوتونا.

ثم قال { من كان يرجوا لقاء الله } أي من كان يأمل لقاء ثواب الله.

وقال سعيد بن جبير والسدي: معناه من كان يخاف عقاب الله، كما قال الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها   
أي لم يخف فـ { من } رفع بالابتداء، وخبرها { كان } وجواب الجزاء، كقولك زيد إن كان في الدار فقد صدق الوعد. وقوله { فإن أجل الله لآت } أي الوقت الذي وقته الله للثواب والعقاب آت لا محالة والله { هو السميع } لاقوالكم { العليم } بما تضمرونه في نفوسكم، فيجازيكم بحسب ذلك.