الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } * { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

قرأ ابو عمرو، وابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم وقتيبة عن الكسائي { لولا أنزل عليه آيات من ربه } على الجمع لقوله { قل إنما الآيات }. وقرأ الباقون { آية } على التوحيد. ومعناهما واحد، لأنه لفظ جنس يدل على القليل والكثير. قال قتادة: الآية الأولى منسوخة بالجهاد والقتال. وقال غيره: هي ثابتة، وهو الأولى، لانه لا دليل على ما قاله، فكيف وقد أمر بالجدال بالذي هو أحسن، وهو الواجب الذي لا يجوز غيره كما قالوجادلهم بالتي هي أحسن } فالآية خطاب من الله تعالى لنبيه وجميع المؤمنين ينهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب: من اليهود والنصارى { إلا بالتي هي أحسن } وقيل: معناه إلا بالجميل من القول في التنبيه على آيات الله وحججه والأحسن الأعلى في الحسن من جهة تقبل العقل له،. وقد يكون الأعلى في الحسن من جهة تقبل الطبع له، وقد يكون في الامرين، و (الجدال) فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج فيه. وفي ذلك دلالة على حسن المجادلة، لأنها لو كانت قبيحة على كال حال، لما قال { إلا بالتي هي أحسن }.

وأصل الجدال شدة الفتل، يقال: جدلته أجدله جدلا إذا فتله فتلا شديداً، ومنه الأجدل: للصقر لشدة فتل بدنه. وقيل: انه يجوز أن يغلظ المحق في الجدل على الظالم فيه، بتأديب الله تعالى في الآية في قوله { إلا الذين ظلموا منهم } فاستثنى الظالم عن المجادلة بالتي هي أحسن.

فان قيل: لم استثنى الذين ظلموا؟ وكلهم ظالم لنفسه بكفره!

قيل: لان المراد { إلا الذين ظلموا } في جدالهم أو في غيره مما يقتضي الاغلاظ لهم، ولهذا يسع الانسان ان يغلظ على غيره، والا فالداعي إلى الحق يجب أن يستعمل الرفق في أمره. قال مجاهد: { إلا الذين ظلموا منهم } بمنع الجزية. وقال ابن زيد: الذين ظلموا بالاقامة على كفرهم بعد إقامة الحجة عليهم.

ثم قال تعالى للمؤمنين { وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا } من القرآن { وأنزل إليكم } من التوراة والانجيل، وقولوا { وإلهنا وإلهكم واحد } لا شريك له { ونحن له مسلمون } طائعون.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله ومثل ما أنزلنا الكتاب على موسى وعيسى من التوراة والانجيل { انزلنا اليك الكتاب } القرآن { فالذين آتيناهم الكتاب } يعني الذين آتيناهم علم الكتاب يصدقون بالقرآن لدلالته عليه { ومن هؤلاء من يؤمن به } أي من غير جهة علم الكتاب. وقيل { فالذين آتيناهم الكتاب } يعني به عبد الله بن سلام وأمثاله. و { من هؤلاء } يعني أهل مكة { من يؤمن به }. ويحتمل ان يكون أراد بـ { الذين آتيناهم الكتاب } الذين آتاهم القرآن: المؤمنين منهم و { ومن هؤلاء } يعني من اليهود والنصارى { من يؤمن به } أيضاً، والهاء في قوله { به } يجوز أن تكون راجعة إلى النبي، ويجوز أن تكون راجعة إلى القرآن { وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون } لان كل من جحد بآيات الله من المكلفين، فهو كافر: معانداً كان أو غير معاند.

السابقالتالي
2