الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { أولم تروا } بالتاء. الباقون بالياء. وقرأ ابن كثير وابو عمرو { النشاءة } بفتح الشين ممدودة - هنا - وفي النجم، والواقعة. الباقون - بسكون الشين مقصوراً - ومن قرأ بالتاء، فعلى الخطاب تقديره: قل لهم يا محمد { أولم تروا } حين انكروا البعث والنشور { أولم تروا كيف يبدئ الله الخلق } أي إذا انكرتم الاعادة كان الابتداء أولى بالنكرة. وحيث أقروا بان الله خالقهم ابتداء فيلزمهم أن يقروا بالاعادة ثانياً. ومن قرأ بالياء، فعلى الاخبار عنهم { ويبدئ } فيه لغتان اتى بهما القرآن بدأ الله الخلق، وأبدأهم، قال الله تعالى { وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده } فمصدر أبدأ يبدؤ إبداءاً، فهو مبدئ. ومن قرأ (بدأ) يبدؤ بدءاً، فهو بادئ، وذاك مبدوء، ويقال: رجع عوده على بدئه بالهمز، وبدا يبدو، بغير همز: ظهر. وقال ابو عمرو (غلام تغلب): يجوز رجع عوده على بده - بغيره همز - بمعنى الظهور كقولهم: ما عدا مما بدا. والنشاءة والنشأة بالمد والقصر، لغتان. كقولهم: رأفة ورآفة، وكأبة وكآبة وهما مصدران. فالنشأة المرة الواحدة، يقال: نشأ الغلام، فهو ناشئ، وامرأة ناشئة، والجمع نواشئ، ويقال للجواري الصغار نشأ قال نصيب:
ولولا ان يقال صبا نصيب   لقلت بنفسي النشأ الصغار
وانشأهم الله إنشاء، فهو منشئ، ونشت - بغير همز - ريحاً طيبة، ورجل نشوان من الشراب. ورجل نشيان للخير إذا كان يتخير الخير، حكاه تغلب.

قوله { وإبراهيم إذ قال } يحتمل نصبه أمرين:

احدهما - ان يكون عطفاً على قوله { وأرسلنا نوحاً إلى قومه } وتقديره وأرسلنا إبراهيم أيضاً.

الثاني - بتقدير واذكر { إبراهيم } حين { قال لقومه اعبدوا الله } وحده لا شريك له، واتقوا عقابه باتقاء معاصيه { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } ما هو خير لكم مما هو شر لكم.

وقوله { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً } حكاية عما قال ابراهيم لقومه كأنه قال لهم ليس تعبدون من دون الله إلا اوثاناً، وهو جمع وثن، وهو ما يعبد من دون الله. وقيل: ما يعمل من حجر وطين يسمى وثناً. و (ما) في قوله { إنما } كافة، وليست بمعنى الذي، لأنها لو كانت بمعنى الذي، لكان (اوثان) رفعاً.

وقوله { وتخلقون إفكاً } أي تعملون أصناماً، وسماها إفكاً لادعائهم انها آلهة - وهو قول قتادة، والجبائي - وقال ابن عباس: وتصنعون كذباً، وتحقيقه يصنعون على ما يقدرون، ثم قال لهم ابراهيم أيضاً { إن الذين تعبدون من دون الله } يعني الاصنام { لا يملكون لكم رزقاً } أي لا يقدرون على أن يرزقوكم، وإنما يبتغى الرزق من القادر على المنع، وهو الله الرازق. والملك قدرة القادر على ماله أن يتصرف فيه أتمّ التصرف، وليس ذلك إلا لله - عز وجل - على الحقيقة لأن له التصرف والقدرة على جميع الاشياء بلا مانع، والانسان إنما يملك ما يملكه الله، ويأذن له في التصرف فيه.

السابقالتالي
2