الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } * { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { وحزناً } بضم الحاء، واسكان الزاي. الباقون بفتحهما، وهما لغتان. يقال: حزن وحزن مثل نجل ونجل. وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { ويري فرعون وهامان } بالياء ورفع (فرعون، وهامان) باسناد الرؤية اليهما. الباقون بالنون، ونصب (فرعون وهامان) باسناد الفعل إلى الله، وكونهما مفعولين.

لما اخبر الله تعالى أنه يريد ان يمن على الذين استضعفوا في الارض ويجعلهم ائمة، أخبر في هذه الآية أنه يريد أن يمكنهم في الارض، والتمكين هو فعل جميع ما لا يصح الفعل ولا يحصل إلا معه: من القدرة والآلة واللطف وغير ذلك. وقال الرماني: اللطف لا يدخل في التمكين، لانه لو دخل فيه لكان من لا لطف له لم يكن ممكناً، ولكن يقال: انه من باب ازاحة العلة. ثم بين انه تعالى " يري فرعون وهامان وجنودهما منهم " يعني من بني اسرائيل { ما كانوا يحذرون } من زوال ملكهم على يد رجل من بني اسرائيل، ولذلك ذبح فرعون أبناءهم. ومن قال: ان الآية في شأن المهدي (ع) حمل فرعون وهامان على فرعون هذه الأمة وهامانها، والكناية في { منهم } عائدة على أنصار المهدي (ع) قالوا: وهذه أولى، لانه بلفظ الاستقبال، لأن في أوله النون او الياء على اختلاف القراءتين وهما للمضارعة.

والحذر توقي ما فيه المضرة، فهؤلاء الذين طلبوا الحذر في غير وجهه، اذ قتلوا الاطفال ظلماً لأجله، ولو طلبوه بالرجوع إلى الله، ودعائه ليكشف عنهم لكانوا طالبين له من وجهه.

وقوله { وأوحينا إلى أم موسى } أي ألهمناها، وقذفنا في قلبها، وليس بوحي نوم، ولا نبوة - في قول قتادة وغيره - وقال الجبائي: كان الوحي رؤيا منام عبر عنه مؤمن به من علماء بني إسرائيل. وقوله { أن أرضعيه } أي الهمناها إرضاع موسى { فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } فالخوف توقع ضرر لا يؤمن به. وقال الزجاج: معنى { أوحينا إلى أم موسى } اعلمناها، وقوله { فألقيه في اليم } أمر من الله تعالى لأم موسى انها إذا خافت على موسى من فرعون أن ترضعه وتطرحه في اليم. واليم البحر، ويعني به النيل { ولا تخافي ولا تحزني } نهي من الله تعالى لها من الخوف والحزن، فانه تعالى أراد أن ينزيل خوف أم موسى بما وعدها الله من سلامته على أعظم الأمور في القائه في البحر الذي هو سبب الهلاك في ظاهر التقدير، لولا لطف الله تعالى بحفظه حتى يرده إلى أمه. ووعدها بأنه يرده عليها بقوله { إنا رادوه إليك } ووعدها أيضاً بان يجعله من جملة الانبياء المرسلين بقوله { وجاعلوه من المرسلين }.

ثم اخبر ان آل فرعون التقطوه، وفي الكلام حذف، لان تقديره ان أم موسى طرحته في البحر ومضى في البحر إلى أن بلغ قصر فرعون فالتقطه آل فرعون.

السابقالتالي
2