الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ }

هذا اخبار من الله تعالى { إن قارون كان من قوم موسى } قال ابن اسحاق: كان موسى ابن أخيه، وقارون عمه. وقال ابن جريج: كان ابن عمه لأبيه وأمه { فبغى عليهم } قال قتادة: إنما بغى عليهم بكثرة ماله. والبغي طلب العلو بغير حق. ومنه قيل لولاة الجور: بغاة، يقال: بغى يبغي بغياً، فهو باغ وابتغى كذا ابتغاء إذا طلبه، ويبتغي فعل الحسن أي يطلب فعله بدعائه إلى نفسه. و { قارون } اسم أعجمي لا ينصرف. وروي أنه كان عالماً بالتوراة فبغى على موسى وقصد إلى تكذيبه، والافساد عليه. وقوله { وآتيناه من الكنوز } أي اعطيناه كنوز الأموال والكنز جمع المال بعضه على بعض، وبالعرف عبارة عما يخبأ تحت الأرض، ولا يطلق اسم الكنوز في الشرع الا على مال لا يخرج زكاته، لقوله تعالىوالذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } فوجه الوعيد عليه منه تعالى على فعلهم يدلك على صحة ما قلناه.

وقوله { ما إن مفاتحه } المفتاح عبارة عما يفتح به الاغلاق، وجمعه مفاتيح ومفاتيح جمع مفتح، ومعناهما واحد، وقال قوم: كانت مفاتيحه من جلود وقال آخرون: مفاتحه خزائنه. قال الزجاج: وهو الأشبه.

وقوله { لتنوء بالعصبة } أي ليثقل في حمله، يقال: ناء بحمله ينوء نوءاً إذا نهض به مع ثقله عليه، ومنه أخذت الانواء، لأنها تنهض من المشرق على ثقل نهوضها. وقال ابو زيد: ناءني الحمل إذا اثقلني. والعصبة الجماعة الملتفة بعضها ببعض. وقال قتادة: العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين. وقال ابن عباس: قد يكون العصبة ثلاث. وانما قال لتنوء بالعصبة والمعني العصبة تنوء بها، لان المعنى تميل بها مثقلة. وقيل: هو يجري مجرى التقديم والتأخير كما قال الشاعر:
ونركب خيلا لا هوادة بينها   وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
وانما تشقى الضياطرة بالرماح، وقال آخر:
فديت بنفسه نفسي ومالي   وما آلوه إلا ما يطيق
والمعنى بنفسي ومالي نفسه، وقال الفراء: كان الاصل ان يقول لتنؤ العصبة أي يثقلهم، بحذف الياء ومثله قوله، وهو مقلوب:
إن سراجاً لكريم مفخرة   تحلى به العين إذا ما تجهره
فالوجه ان الرجل يعجب العين وكان ينبغي ان يقول يحلى بالعين، كقوله:
حليت بعينك ريطة مطويه   
قال الرماني - التأويل الأول هو الصحيح، لانه ليس من باب التقديم والتأخير لما في ذلك من قلب المعنى وليس كالذي تبنيه الاعراب. وقوله { إذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين } حكاية عما قال قوم قارون لقارون حين خوفوه بالله ونهوه عن الفرح بما آتاه الله من المال، وأمروه بالشكر عليه. والفرح المرح الذي يخرج إلى الانس، وهو البطر. ولذلك قال تعالى { إن الله لا يحب الفرحين } لانه إذا اطلقت صفة فرح فهو الخارج بالمرح إلى البطر، فأما قوله

السابقالتالي
2