الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } * { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

لما حكى الله تعالى أنه ينادي الكفار يوم القيامة ويقررهم عما أجابوا به المرسلين، أخبر انهم تعمى عليهم الحجج، فهم لا يسأل بعضهم بعضاً. والعمى آفة تنافي صحة البصر { فعميت عليهم الأنباء } فيه تشبيه بالعمى عن الابصار لانسداد طريق الاخبار عليهم، كما تنسد طرق الأرض على الأعمى، ومعنى { فهم لا يتساءلون } أي هم لانسداد طرق الاخبار عليهم لم يجيبوا عما سئلوا عنه، ولا يسأل بعضهم بعضاً عنه، لانقطاعهم عن الحجة، ولا ينافي قوله { فهم لا يتساءلون } قوله في موضع آخروأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } لان يوم القيامة مواطن يختلف فيها حالهم، فمرة تطبق عليهم الحيرة، فلا يتساءلون، ومرة يفيقون فيتساءلون. وقال الحسن: لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحمل عنه شيئاً كما كانوا في الدنيا.

ثم اخبر تعالى " ان من تاب " من المعاصي ورجع عنها إلى الطاعات، واضاف إلى ذلك الاعمال الصالحات { فعسى أن يكون من المفلحين } وانما أدخل (عسى) في اللفظ مع انه مقطوع بفلاحه، لأنه على رجاء أن يدوم على ذلك، فيفلح، وقد يجوز أن يزول فيما بعد، فيهلك، فلهذا قال { فعسى } على انه قيل: إن عسى من الله في جميع القرآن واجبة.

ثم اخبر تعالى فقال { وربك } يا محمد { يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } قيل في معناه قولان:

احدهما - يختار الذي كان لهم فيه الخيرة، فدل بذلك على شرف اختياره لهم.

الثاني - أن تكون (ما) نفياً أي لم يكن لهم الخيرة على الله بل لله الخيرة عليهم، لأنه مالك حكيم في تدبيرهم، فيكون على هذا الوجه الوقف على قوله { ويختار } وهو الذي اختاره الزجاج. وقال الحسن: معناه { ما كان لهم الخيرة } اي أن يختاروا الأنبياء، فيبعثوهم. وقال مجاهد { لا يتساءلون } بالانساب والقرابات. وقيل { لا يتساءلون } بما فيه حجج لهم، وقوله { سبحانه وتعالى عما يشركون } معناه ما عظم الله حق عظمته من اشرك في عبادته، لأن من تعظيمه اخلاص الالهية له، وانه الواحد فيما تفرد به على استحقاق العبادة، وانه لا يجوز أن يستغنى عنه بغيره، فمن اشرك في عباته فما عظمه حق تعظيمه، فهذا قد قبح فيما أتى وضيع حق نعمه.

ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله " وربك يا محمد يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون " أي عالم بما يخفونه وما يظهرونه. يقال: اكننت الشيء في صدري أي أخفيته و (كننته) بغير ألف صنته. وقيل: كننت الشئ واكننته لغتان.

ثم اخبر تعالى انه الإله الذي لا إله سواه، ولا يستحق العبادة غيره في جميع السموات والارض، وانه يستحق الثناء والحمد والمدح والتعظيم، على ما انعم به على خلقه في الدنيا والاخرة { وله الحكم } بينهم بالفصل بين المختلفين بما يميز به الحق من الباطل. وان جميع الخلق يرجعون اليه يوم القيامة الذي لا يملك احد الحكم غيره. وقيل قوله { وربك يخلق ما يشاء ويختار } ذلك في الوليد بن المغيرة حين قاللولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } فبين الله تعالى أن له أن يختار ما يشاء لنبوته ورسالته بحسب ما يعلم من يصلح لها.