الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ }

قرأ ابن كثير { قال موسى } بلا واو، وكذلك هو في مصاحف أهل مكة. الباقون - بالواو - وكذلك هو في المصاحف.

وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { من يكون } بالياء. الباقون بالتاء.

من قرأ بالياء فلأن تأنيث العاقبة ليس بحقيقي. ومن قرأ بالتاء، فلأن لفظه مؤنث. وتقدير الكلام إن موسى مضى إلى فرعون { فلما جاءهم موسى بآياتنا } أي حججنا { بينات } أي ظاهرات { قالوا } يعني فرعون وقومه ليس { هذا } الذي يدعيه { إلا سحر مفترى } أي مختلق مفتعل. والفرق بين (لو) و (لما) أن (لو) لتقدير وقوع الثاني بالاول، و (لما) للايجاب في وقوع الثاني بالاول. وقولك: ولو جاءهم موسى بآياتنا قالوا، ليس فيه دليل انهم قالوا وفي (لما) دليل على انهم قالوا عقيب مجيء الآيات. وقوله { سحر مفترى } اي سحر مختلق لم يبن على اصل صحيح، لأنه حيلة موهم خلاف الحقيقة، فوصفوا الآيات بالسحر والاختلاق، على هذا المعنى جهلا منهم وذهاباً عن الصواب.

وقوله { ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } أي لم نسمع ما يدعيه ويدعو اليه في آبائنا الذين كانوا قبلنا، وانما قالوا { ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } مع شهرة قصة قوم نوح وصالح وغيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله واخلاص عبادته لأحد امرين:

احدهما - للفترة التي دخلت بين الوقتين وطول الزمان جحدوا أن تقوم به حجته.

والآخر - إن آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك، ولا دانوا به، ووجه الشبهة في أنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم الاولين أنهم الكثير الذين لو كان حقاً لأدركوه، لأنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في العقل والرأي، ولا يدركه الافضل منهما، وهذا غلط، لأن ما طريقه الاستدلال قد يصيبه من سلك طريقه ولا يصيبه من لم يسلك طريقه.

ثم حكى ما قال موسى بأنه قال { ربي أعلم بمن جاء بالهدى } أي بالدين الواضح والحق المبين من عنده، ووجه الاحتجاج بقوله { ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده } أنه عالم بما يدعو إلى الهدى مما يدعو إلى الضلال، فلا يمكن من مثل ما أتيت به من يدعو إلى الضلال، لأنه عالم بما في ذلك من فساد العباد.

ثم بين هذا بقوله { إنه لا يفلح الظالمون } وان عاقبة الصلاح لأهل الحق والانصاف، وهو كما تقول على طريق المظاهرة بحمل الخطاب: الله أعلم بالمحق منا من المبطل وحجتي ظاهرة، فاكسرها ان قدرت على ذلك { ومن تكون له عاقبة الدار } يعني الجنة والثواب في الآخرة { إنه لا يفلح } أي لا يفوز بالخير من ظلم نفسه وعصى ربه وكفر نعمه.

ثم حكى تعالى ما قال فرعون عند سماع كلام موسى لقومه فانه قال لهم { يا أيها الملاء ما علمت لكم من إله غيري } فلا تصغوا إلى قوله، حين أعياه الجواب وعجز عن محاجته.

السابقالتالي
2