الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ }

قرأ { من الرهب } بفتح الراء والهاء - ابن كثير ونافع وابو جعفر وابو عمرو. الباقون - بضم الراء وسكون الهاء - إلا حفصاً، فانه قرأ - بفتح الراء وسكون الهاء - وقرأ ابن كثير وابو عمرو { فذانك } مشددة النون. الباقون بالتخفيف. وقرأ نافع { رداً } بفتح الدال من غير همز منوناً. وقرأه ابو جعفر بالف بعد الدال من غير همز وغير تنوين. الباقون بسكون الدال وبعدها همزة مفتوحة منونة. وقرأ عاصم وحمزة { يصدقني } بضم القاف. الباقون بالجزم.

الرهب والرهب لغتان مثل النهر والنهر، والسمع والسمع. وقيل في تشديد { ذانك } ثلاثة اقوال: احدها - للتوكيد، الثانى - للفرق بين النون التي تسقط للاضافة. وبين هذه النون. الثالث - للفرق بين بنية الاسم المتمكن وغير المتمكن. وروي عن ابن كثير انه قرأ { فذانيك } قال ابو علي: وجه ذلك انه أبدل من احدى النونين ياء، كما قالوا: تظنيت وتظننت. ومن جزم { يصدقني } جعله جواباً للامر وفيه معنى الشرط. وتقديره: إن ارسلته صدقني ومن رفع جعله صفة للنكرة. وتقديره ردءاً مصدقاً لي. وقال مقاتل: الرهب الكم، ويقال وضعت الشيء في رهبي اي في كمي، ذكر الشعبي انه سمع ذلك من العرب. ومن شدد { ذانك } جعله تثنية (ذلك) ومن خفف جعله تثنية (ذاك).

اخبر الله تعالى انه لما قال لموسى { إني أنا الله رب العالمين } أمره ايضاً ان يلقي عصاه، وانه القاها أي طرحها واخرجها من يده إلى الارض فانقلبت باذن الله ثعباناً عظيماً { تهتز } باذن الله { كأنها جان } في سرعة حركته، وشدة اهتزازه، فعلم موسى عند ذلك ان الذي سمعه من الكلام صادر من الله، وان الله هو المكلم له دون غيره، لأن ذلك إنما يعلمه بضرب من الاستدلال.

وقوله { ولى مدبراً، ولم يعقب } اي لم يرجع، اي خاف بطبع البشرية وتأخر عنها ولم يقف، فقال الله تعالى له { يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين } من ضررها. والعصا عود من خشب كالعمود، وفي انقلابه حية دليل على ان الجوهر من جنس واحد، لأنه لا حال ابعد إلى الحيوان من حال الخشب. وما جرى مجراه من الجماد، وذلك يقتضي صحة قلب الأبيض إلى حال الاسود، والاهتزاز شدة الاضطراب في الحركة، والحيوان له حركة تدل عليه إذا رإي عليها لا يشك في انه حيوان بها. وهي التصرف بالنفس من غير ريح، ولا سبب يولد التصرف مع كونه على البنية الحيوانية. وقيل: ان الله امره ان يدخل يده في فيها، ففعل فعادت عصاً كما كانت. ثم امره الله ان يسلك يده في جيبه، أي بأن يدخلها فيه، وكانت سمرة شديدة السمرة فلما اخرجها خرجت بيضاء نقية { من غير سوء } اى من غير برص.

السابقالتالي
2