الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }

حكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت لأخت موسى: قصيه أي اتبعي اثره، يقال قصه يقصه قصاً إذ اتبع اثره، ومنه القصص، لانه حديث يتبع بعضه بعضاً يتبع الثاني للاول، والاقتصاص اتباع الجاني في الأخذ بمثل جنايته في النفس.

{ فبصرت به عن جنب } معنى { فبصرت به } رأته، وهو لا يتعدى إلا بحرف الجر. والرؤية تتعدى بنفسها، وقال مجاهد: معناه عن بعد، ومثله أبصرته عن جنابة قال الاعشى:
أتيت حريثاً زائراً عن جنابة   فكان حريث عن عطائي جامدا
أي عن بعد، وقيل: معنى { عن جنب } عن مكان جنب، وهو الجانب لأن الجنب صفة وقعت موقع الموصوف لظهور معناه، وكان ذلك احسن واوجز { وهم لا يشعرون } قال قتادة: معناه وآل فرعون لا يشعرون انها اخته.

وقوله { وحرمنا عليه المراضع } وهي جمع مرضعة ومعناه منعناه منهن وبغضناهن اليه، فكان ذلك كالمنع والنهي، لا أن هناك نهياً عن الفعل، قال الشاعر:
جاءت لتصرعني فقلت لها اقصري   اني امرء صرعي عليك حرام
اي ممتنع فاني فارس امنعك من ذلك، ومثله قولهم: فلان حرم على نفسه كذا بالامتناع منه، كالامتناع بالنهي. وقوله { من قبل } أي من قبل ردّه على أمه { فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } معناه يضمنونه برضاعه والقيام عليه، وينصحونه في ذلك، فقيل لأخته من أين قلت: انهم ناصحون له أعرفت أهله، فقالت: إنما عنيت ناصحون للملك. والنصح اخلاص العمل من شائب الفساد، وهو نقيض الغش: نصح ينصح نصحاً، فهو ناصح في عمله، وناصح في نفسه في توبته إذا اخلصها. وقوله { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن } قيل: ان فرعون سأل أمه كيف يرتضع منك، ولم يرتضع من غيرك؟! قالت: لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا اكاد أؤتى بصبي إلا ارتضع مني. وبين تعالى انه إنما فعل ذلك { كي تقر عينها } يعني عين أمه، فرده عليها { ولتعلم أن وعد الله حق } لا بد من كونه. ثم قال { ولكن أكثرهم } اى الخلق { لا يعلمون } حقيقة ما يراد بهم. وقيل: من قوم فرعون ما علمته أم موسى، ومن لطيف تدبير الله تسخير فرعون لعدوه حتى تولى تربيته.

وقوله { ولما بلغ أشده واستوى } قال قتادة: اشده ثلاث وثلاثون سنة، واستوائه اربعون سنة. وقيل استواء قوته { آتيناه } يعني أعطيناه { حكماً وعلماً } قال السدى: يعني النبوة. وقال عكرمة: يعني العقل. وقال مجاهد: الفرقان. والحكم الخبر بما تدعو اليه الحكمة. والمعنى علمناه من الحكمة ما تقتضي المصلحة، واوحينا اليه بذلك. ثم قال: ومثل ما فعلنا به نجزي أيضاً من فعل الاحسان. وفعل الطاعات والافعال الحسنة.

ثم اخبر تعالى ان موسى { دخل المدينة } يعني مصر، وقيل: غيرها { على حين غفلة من أهلها } قيل: إنه كان وقت القائلة.

السابقالتالي
2