الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

قرأ حمزة ويعقوب { أتمدوني } بنون واحدة مشددة على الادغام وياء ثابتة في الوصل والوقف. الباقون بنونين.

اخبر الله تعالى إن الهدية التي أنفذت بها المرأة، لما وصلت اليه، قال لموصلها { أتمدونني بمال } والامداد الحاق الثاني بالأول، والثالث بالثاني إلى حيث ينتهي. والمعنى لست أرغب في المال الذي تمدونني به، وإنما أرغب في الايمان الذي دعوتكم اليه والاذعان بالطاعة لله ورسوله. ثم قال { فما آتاني الله خير مما آتاكم } بالتمكين من المال الذي لي أضعافه واضعاف أضعافه إلى ما شئت منه. ثم قال لهم { بل أنتم بهديتكم تفرحون } أي ما يهدى اليكم، لانكم أهل مفاخرة في الدنيا ومكاثرة. وقيل بهديتكم التي اهديتموها اليّ تفرحون.

والهدية العطية على جهة الملاطفة من غير مئابة، تهدى هدية، لانها تساق إلى صاحبها على هداية، فالاصل الهداية وهي الدلالة على طريق الرشد. ثم حكى ما قال سليمان لرسولها الذي حمل الهدية { ارجع إليهم } وقل لهم { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } أي لا طاقة لهم بهم ولا يقدرون على مقاومتهم { ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون } فالذليل هو الناقص القوة في نفسه بما لا يمكنه أن يدفع غيره عن نفسه. والصاغر هو الذليل الصغير القدر المهين، يدل على معنى التحقير بشيئين، ونقيض الذليل العزيز وجمعه أعزة،. جمع الذليل أذلة.

ثم حكى تعالى أن سليمان قال لاشراف عسكره وأماثلة جنده { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } فاختلفوا في الوقت الذي قال سليمان { أيكم يأتيني بعرشها } فقال قوم قال ذاك حين جاءه الهدهد بالخبر، وهو الوقت الأول لأنه يبين به صدق الهدهد من كذبه، ثم كتب الكتاب بعد - في قول ابن عباس - وقال وهب بن منية: انما قال ذلك بعد مجيء الرسل بالهدية.

واختلفوا في السبب الذي لأجله خص بالطلب فقيل لانه أعجبته صفته فأحب أن يراه، وكان من ذهب وقوائمه مكلل من جوهر، على ما ذكره قتادة. وقال ابن زيد: لأنه أحب أن يعاينها ويختبر عقلها إذا رأته اتثبته أم تنكره. وقيل: ليريها قدرة الله في معجزة، يأتي بها في عرشها.

واختلفوا في معنى { مسلمين } فقال ابن عباس: معناه طائعين مستسلمين وقال ابن جريج: هو من الاسلام الذي هو دين الله الذي أمر به عباده.

ثم حكى تعالى انه أجاب سليمان عفريت من الجن. ومعنى عفريت مارد قوي داهية، يقال: عفريت وعفرية، ويجمع عفاريت وعفاري. قال سيبويه: هو مأخوذ من العفر. والمعنى كل سديد في مذهبه من الدهاء والنكارة والنجابة يقال: رجل عفرية نفرية على وزن (زبينة) لواحد الزبانية.

وقوله { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } أي من مجلسك الذي تقضي فيه - في قول قتادة - { وإني عليه } يعني على الاتيان به في هذه المدة { لقوي أمين } وفى ذلك دلالة على بطلان قول من يقول: القدرة تتبع الفعل لأنه أخبر انه قوي عليه، ولم يجيء بعد بالعرش.

السابقالتالي
2