الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } * { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } * { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

قرأ ابن كثير { أو ليأتينني بسلطان مبين } بنونين الأولى مشددة مفتوحة والثانية مكسورة. الباقون بنون واحدة مشددة مكسورة. وقرأ { مكث } عاصم وروح - بفتح الكاف - الباقون بضمها، وهما لغتان. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { من سبأ بنبأ } غير مصروف. الباقون مصروفاً، منوناً.

من لم يصرفه فلأنه معرفة ومؤنث، لانه قيل: ان { سبأ } حي من احياء اليمن. وقيل: هو اسم أمهم. وقد قال الزجاج: { سبأ } مدينة تعرف بمأرب من اليمن، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، فاذا صرفته فعلى البلد، وإذا لم تصرفه، فعلى المدينة. وقيل: من صرفه جعله إسماً للمكان، ومن لم يصرفه جعله اسماً للبقعة. قال جرير:
الواردون وتيم في ذوي سبأ   قد عض أعناقهم جلد الجواميس
وقال آخر في ترك صرفه:
من سبأ الحاضرين مأرب اذ   يبنون من دون سيله العرما
وقرأ الكسائي وابو جعفر ورويس { ألا يا اسجدوا } بتخفيف (ألا). الباقون { ألا يسجدوا } مشددة. وجه قراءة الكسائي أنه جعل (ألا) للتنبيه (يا) هؤلاء على حذف المنادي " اسجدوا " على الامر، قال الأخطل:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر   وإن كان حيانا عدى آخر الدهر
أي ألا يا هند. وقرأ ابن مسعود { هلا } وذلك يقوى قراءة من قرأ بالتخفيف. ومن قرأ بالتشديد فمعناه وزين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله، وشاهد الأول قول الشاعر:
ألا اسلمي يا دارمي على البلى   ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقال العجاج:
يا دار سلمي يا اسلمي ثم اسلمى   عن سمسم أو عن يمين سمسم
اخبر الله سبحانه عن سليمان أنه { تفقد الطير، فقال ما لي لا أرى الهدهد } قيل كان سبب تفقده الهدهد أنه احتاج اليه في سيره ليدله على الماء، لأنه يقال: انه يرى الماء في بطن الأرض. كما نراه في القارورة - وذكره ابن عباس - وقال وهب بن منية: كان تفقده إياه لاخلاله بنوبته. وقيل: كان سبب تفقده أن الطير كانت تظله من الشمس، فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه.

وقوله { أم كان من الغائبين } معنى { أم } بل. وقيل: معناه أتأخر عصياناً { أم كان من الغائبين } لعذر وحاجة. ثم قال { لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } وهذا وعيد منه للهدهد أنه متى لم يأت سليمان بحجة ظاهرة في تأخره يفعل به أحد ما قاله، عقوبة له على عصيانه. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: تعذيب الهدهد نتف ريشه وطرحه في الشمس.

قوله { فمكث غير بعيد } أي لبث غير بعيد، وفى ماضيه لغتان - فتح الكاف وضمها - ثم جاء سليمان، فقال معتذراً عن تأخره، واخلاله بموضعه { أحطت بما لم تحط به } أي علمت ما لم تعلم، وعلم الاحاطة هو أن يعلمه من جميع جهاته التي يمكن أن يعلم عليها تشبيهاً بالسور المحيط بما فيه.

السابقالتالي
2 3