الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

اخبر الله تعالى أن سليمان ورث داود. واختلفوا فيما ورث منه، فقال اصحابنا إنه ورث المال والعلم. وقال مخالفونا: انه ورث العلم، لقوله (صلى الله عليه وسلم) " نحن معاشر الانبياء لا نورث ".

وحقيقة الميراث هو انتقال تركة الماضي بموته إلى الثاني من ذوي قرابته. وحقيقة ذلك في الاعيان، فاذا قيل ذلك في العلم كان مجازاً. وقولهم: العلماء ورثة الأنبياء، لما قلنا. والخبر المروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) خبر واحد، لا يجوز أن يخص به عموم القرآن ولا نسخه به.

وقال بعضهم: إن داود كان له تسعة عشر ولداً ذكوراً وورثه سليمان خاصة، فدل على أنه إنما ورثه العلم والنبوة، فخبر واحد لا يلتفت اليه.

وقوله { يا أيها الناس علمنا منطق الطير } أي فهمنا معاني منطقها وما نفهم به بعضها عن بعض، قال المبرد: والعرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقاً ومتكلماً قال رؤبة:
لو انني اوتيت علم الحكل   علم سليمان كلام النمل
وقال الرماني { منطق الطير } صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة، بخلاف منطق الناس إذ هو صوت يتفاهمون به معانيهم على صيغ مختلفة، لذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها، ولم تفهم هي عنا، لأن افهامها مقصورة على تلك الامور المخصوصة، ولما جعل سليمان يفهم عنها، كان قد علم منطقها.

وقوله { وأوتينا من كل شيء } لفظه لفظ العموم، والمراد به الخصوص لانه لم يؤت اشياء كثيرة. وقيل: المعنى { وأوتينا من كل شيء } يطلبه طالب لحاجته اليه وانتفاعه به، ويحتمل أن يكون المراد { وأوتينا من كل شيء } علماً وتسخيراً في كل ما يصلح أن يكون معلوماً لنا ومسخراً، غير ان مخرجه مخرج العموم أبلغ وأحسن.

ثم اخبر ان سليمان كان قد قال هذا القول: إن هذا لهو الفضل الظاهر. اعترافاً بنعم الله. ويحتمل أن يكون ذلك اخباراً من الله بأن ما ذكره هو الفضل الظاهر. وقيل: معناه وأعطينا من كل شيء من الخيرات.

وقوله { وحشر لسليمان جنوده } أي جمع له من كل جهة جنوده { من الجن والإنس والطير } قال محمد بن كعب القرطي: كان عسكره مئة فرسخ، خمسة وعشرون من الانس، وخمسة وعشرون من الجن، وخمسة وعشرون من الطير، وخمسة وعشرون من الوحش، وقوله { فهم يوزعون } معناه قال ابن عباس: يمنع أولهم على آخرهم وقال ابن زيد: يساقون. وقال الحسن: معناه يتقدمون. وقول ابن عباس أقوى، لانه من قولهم: وزعه من الظلم إذا منعه من ذلك وكفه، قال النابغة:
على حين عاتبت المشيب على الصبى   وقلت الما أصح والشيب وازع
ويقولون لا بد للسلطان من وازعة أي يمنع الناس عنه، وقال الشاعر:

السابقالتالي
2