الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قرأ اهل الكوفة { بشهاب قبس } منون غير مضاف جعلوا (قبساً) صفة للشهاب على تقدير منور. الباقون بالاضافة على تقدير (نار).

يقول الله تعالى مخاطبا لنبيه محمد صلى الله عليه وآله { انك } يا محمد { لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } أي انك لتعطى لأن الملك يلقيه اليه من قبل الله تعالى، من عند حكيم بصير بالصواب من الخطاء في تدبير الامور بما يستحق به التعظيم. وقد يفيد (الحكيم) العامل بالصواب المحكم للامور المتقن لها. وعليم بمعنى عالم إلا أن فيه مبالغة. وقال الرماني هو مثل سامع وسميع، فوصفنا له بأنه عالم يفيد أن له معلوماً، كما أن وصفه بأنه سامع يفيد بأن له مسموعاً. ووصفه بأنه عليم يفيد أنه متى صح معلومه. فهو عليم به، كما أن (سميعاً) يفيد إنه متى وجد مسموع لا بد أن يكون سامعاً.

وقوله { إذ قال موسى لأهله } قال الزجاج: العامل في إذ (اذكر) وهو منصوب به. وقال غيره: هو منصوب بـ (عليم) اذ قال اني آنست ناراً. فالايناس الاحساس بالشيء من جهة ما يؤنس آنست كذا، أؤنسه ايناساً وما آنست به، فقد أحسست به، مع سكون نفسك اليه { سآتيكم منها بخبر } يعني بمن يدل على الطريق ويهدينا اليه، لانه كان قد ضل { أو آتيكم بشهاب قبس } قيل: لانهم كانوا قد أصابهم البرد، وكان شتاء فلذلك طلب ناراً. والشهاب نور كالعمود من النار، وجمعه شهب. وقيل للكوكب الذي يمتد وينقض شهاب، وجمعه شهب، وكل نور يمتد مثل العمود يسمى شهاباً، والقبس القطعة من النار قال الشاعر:
في كفه صعدة مثقفة   فيها سنان كشعلة القبس
ومنه قيل اقتبس النار اقتباساً أي أخذ منها شعلة، واقتبس منه علماً أي اخذ منه نوراً يستضيء به كما يستضيء بالنار { لعلكم تصطلون } معناه، لكي تصطلوا. ومعناه لتدفئوا، والاصطلاء التدفي بالنار، وصلى النار يصلي صلا إذا لزمها، فاصله اللزوم. وقيل الصلاة منه للزوم الدعاء فيها. والمصلي الثاني بعد السابق للزومه صلو السابق. وإنما قال لامراته { لعلي آتيكم } لانه أقامها مقام الجماعة في الانس بها والسكون اليها في الامكنة الموحشة. ويجوز أن يكون على طريق الكناية على هذا التأويل.

وقوله { فلما جاءها } معناه جاء النار { نودي أن بورك من في النار ومن حولها } وقيل في معناه قولان:

احدهما - بورك نور الله الذي في النار، وحسن ذلك، لانه ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار. في قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والحسن.

الثاني - الملائكة الذين وكلهم الله بها على ما يقتضيه. { ومن حولها } - في قول ابي علي الجبائي - ولا خلاف أن الذين حولها هم الملائكة الذين وكلوا بها.

السابقالتالي
2 3