الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } * { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } * { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } * { أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } * { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } * { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } * { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }

حكى الله تعالى ما أجاب به قوم ابراهيم حين قال لهم ابراهيم { ما تعبدون }؟ فانهم { قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين } أي مقيمين مداومين على عبادتنا يقال: عكف عكوفاً، فهو عاكف، واعتكف اعتكافاً. قال ابن عباس: معناه فنظل لها مصلين. وقيل: في وجه دخول الشبهة عليهم في عبادة الاصنام أشياء:

احدها - انهم اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله زلفى كما يتقرب بتقبيل بساط الملك اليه.

ومنها - أنهم اتخذوا هياكل النجوم ليحظوا بتوجه العبادة إلى هياكلها، كما يفعل بالهند.

ومنها - ارتباط عبادة الله بصورة يرى منها.

ومنها - انهم توهموا خاصية في عبادة الصنم يحظى بها، كالخاصية في حجر المغناطيس.

والشبهة الكبرى العامة في ذلك تقليد الذين دخلت عليهم الشبهة، ولذلك { قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } ولم يحتجوا بشيء سوى التقليد، الذي هو قبيح في العقول. والعبادة خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع، فلا تستحق إلا بأصول النعم وبما كان في أعلى المراتب من الانسان، فكل من عبد غير الله، فهو جاهل بموجب العبادة، كافر لنعم الله، لان من حقه إخلاص العبادة له.

فقال لهم ابراهيم (ع) { هل يسمعونكم } هذه الاصنام التي تعبدونها إذا دعوتموها! أي هل يسمعون أصواتكم، لان اجسامهم لا تسمع { أو ينفعونكم } بشيء من المنافع { أو يضرون } بشيء من المضار!. وانما قال ذلك، لان من لا يملك النفع والضر، لا تحسن عبادته، لانها ضرب من الشكر، ولا يستحق الشكر إلا بالنعم، فمن لا يصح منه الانعام يقبح شكره، ومن قبح شكره قبحت عبادته. فقالوا عند ذلك { وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } أحالوا على مجرد التقليد. فقال لهم ابراهيم منكراً عليهم التقليد { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } من الاصنام { أنتم } الآن { وآباؤكم الأقدمون } المتقدمون، فالأقدم الموجود قبل غيره، ومثله الأول والأسبق. والقدم وجود الشيء لا إلى أول ثم قال ابراهيم { فإنهم } عدوّ لي يعني الاصنام جمعها جمع العقلاء، لما وصفها بالعداوه التي تكون من العقلاء، لان الاصنام كالعدوّ في الصورة بعبادتها، ويجوز أن يكون، لانه كان منهم من لا يعبد إلا الله مع عبادة الاصنام فغلب ما يعقل ولذلك استثناه، فقال { إلا رب العالمين } لأنه استثناء من جميع المعبودين، وعلى الوجه الأول يكون الاستثناء منقطعاً وتكون (إلا) بمعنى لكن ثم وصف رب العالمين فقال: هو { الذي خلقني } واخرجني من العدم إلى الوجود { فهو يهدين } لان هداية الخلق إلى الرشاد أمر يجل، فلا يكون إلا ممن خلق الخلق كأنه قيل من يهديك؟ ومن يسد خلتك بما يطعمك ويسقيك؟ ومن إذا مرضت يشفيك؟ فقال - دالا بالمعلوم على المجهول { الذي خلقني، فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين } بمعنى أنه يزرقني ما يوصلني إلى ما فيه صلاحي { وإذا مرضت فهو يشفين } بان يفعل ما يحفظ بدني ويصح جسمي ويرزقني ما يوصلني اليه.