الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

اخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار الذين وصفهم بأنهم كذبوا بايات الله وجحدوا رسوله وأنه سيأتيهم فيما بعد، يعني يوم القيامة " اخبار ما كانوا به يستهزون " وإنما خص المكذب باتيان الأنباء، مع أنها تأتي المصدق والمكذب، من حيث أن المكذب يعلم بها بعد أن كان جاهلا. والمصدق كان عالماً بها، فلذلك حسن وعيد المكذب بها، لان حاله يتغير إلى الحسرة والندم. والاستهزاء السخرية، وهو طلب اللهو بما عند الطالب صغير القدر.

ثم قال { أو لم يروا } هؤلاء الكفار { إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } من أنواع النبات، فيستدلوا على توحيده، بأن يعلموا أن ذلك لا يقدر عليه غيره. ولا يتأتى من سواه، ممن هو قادر بقدرة، لأنه لو تأتى من غيره لتأتى منا لأنا قادرون أيضاً بقدرة، فلما استحال منا علمنا استحالة ذلك ممن يجري مجرانا، فاذاً الفاعل لذلك مخالف لنا، وانه قادر لنفسه.

ثم اخبر تعالى ان فيما ذكره من انبات النبات من كل زوج كريم، لدلالة لمن يستدل بها، ومن يتمكن من ذلك، وإن اكثر الكفار لا يصدقون بذلك، ولا يعترفون به عنادا وتقليداً لاسلافهم، وحباً للراحة، وهرباً من مشقة التكليف ومعنى { كل زوج كريم } يعني مما يأكل الناس والانعام، في قول مجاهد. وقيل: من الشيء ومشاكله في الانتفاع به. وقيل: من كل زوج كريم من انواع تكرم عند أهلها. وقيل: من كل نوع معه قرينه من أبيض وأحمر وأصفر. وحلو وحامض، وروائح وغير ذلك مختلفة. ثم قال { وإن ربك } يا محمد { لهو العزيز } الغني القادر الذى لا يعجز ولا يغلب { الرحيم } أي المنعم على عباده بأنواع النعم التي ذكرها.