إثنتا عشرة آية في المكي والمدني الآخر، وثلاث عشرة آية فيما عداه. عدوا " الشياطين " ولم يعدها الأول. يقول الله تعالى { وما أهلكنا من } أهل { قرية } بالعذاب الذي أنزلناه عليهم فيما مضى من الأمم السالفة { إلا } وكان { لها منذرون } يخوفونهم بالله ويحذرونهم معاصيه. وقوله { ذكرى وما كنا ظالمين } معناه ذاك الذي قصصناه من إنزال العذاب بالامم الخالية { ذكرى } لكم تتعظون بها. ثم بين أن ذلك كان عدلا، ليكون أشد في الزجر، وإن الله تعالى لم يكن ظالماً لاحد. وموضع { ذكرى } يجوز أن يكون نصباً بالانذار، ويجوز أن يكون رفعاً بالاستئناف على ذلك { ذكرى }. والذكرى: هو إظهار المعنى للنفس تقول: ذكرته ذكرى. وبين ان ذلك ليس مما ينزل به الشياطين ويغوون به الخلق، بل هو وحي من الله تعالى. ثم بين انه ليس ينبغي للشياطين أنزال ذلك. انهم لا يستطيعون على ذلك. ومعنى ينبغي لك كذا يطلب منه فعله في مقتضى العقل، فتقول: ينبغي لك أن تختار الحسن على القبيح، ولا ينبغي لك أن تختار القبيح على الحسن. واصله من البغية التي هي الطلب، وقرا الحسن و { ما تنزلت به الشياطون } بالواو، ظناً منه أنه مثل (المسلمين). وهذا لحن بلا خلاف، لانه جمع تكسير شيطان وشياطين. والاستطاعة هي القدرة التي ينطاع بها الفعل للجارحة. ثم قال: { انهم } يعني الشياطين { عن السمع لمعزولون } وقيل: معناه إنهم عن عن استراق السمع من السماء لمعزولون. وقيل: عن سمع القرآن - في قول قتادة - لمعزولون معناه منحون. فالعزل تنحية الشيء عن الموضع إلى خلافه، وهو ان يزيله عن أمر إلى نقيضه، كما قال الشاعر:
عزل الامير بالامير المبدل
وانما لم ينبغ لهم ذاك لحراسة المعجزة عن أن تتموّه بالباطل، لأن الله إذا أراد أن يدل بها على صدق الصادق أخلصها بمثل هذه الحراسة، حتى تصح الدلالة. ثم نهى نبيه (صلى الله عليه وسلم) والمراد به المكلفين، فقال { ولا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين } وتقديره انك إن دعوت معه إلهاً آخر كنت من المعذبين. ثم امره أن ينذر عشيرته الأقربين قيل: انما خص في الذكر انذار عشيرته الاقربين، لانه يبدأ بهم، ثم الذين يلونهم، كما قال تعالى{ قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } لان ذلك هو الذي يقتضيه حسن التدبير: الترتيب. ويحتمل أن يكون انذرهم بالافصاح عن قبيح ما هم عليه وعظم ما يؤدي اليه من غير تليين بالقول يقتضي تسهيل الأمر لما يدعو اليه مقاربة العشيرة، بأن من نزل بهم الاغلاظ في هذا الباب أذلهم. وقيل: ذكر عشيرتك الأقربين أي عرفهم إنك لا تغني عنهم من الله شيئاً إن عصوه.