الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } * { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

حكى الله تعالى أن صالحاً قال لقومه { لا تطيعوا أمر المسرفين } وهم الذين تجاوزوا الحد بالبعد من الحق. وقيل عنى بالمسرفين: تسعة رهط من ثمود، كانوا يفسدون في الارض ولا يصلحون، فنهاهم الله على لسان صالح عن اتباعهم.

وقال { الذين يفسدون في الأرض } بان يفعلوا فيها المعاصي، ويرتكبوا القبائح { ولا يصلحون } أي لا يفعلون شيئاً من الافعال الحسنة.

فقالوا له في الجواب عن ذلك { إنما أنت من المسحرين } والمسحر: هو الذي قد سحر مرة بعد مرة، حتى يختل عقله ويضطرب رأيه. والسحر حيلة توهم قلب الحقيقة، وقال مجاهد: معناه من المسحورين. وقال ابن عباس: من المخلوقين، لانه يذهب إلى انه يخترع على أمر يخفى كخفاء السحر. وقيل: معناه انك ممن له سحر أي رئة، ومنه قولهم أنتفخ سحره قال لبيد:
فان تسلينا فيم نحن فاننا   عصافير من هذا الانام المسحر
أي المعلل بالطعام وبالشراب، على أمر يخفى كخفاء السحر.

ثم قالوا له { ما أنت إلا بشر مثلنا } أي ليس أنت إلا مخلوقاً مثلنا، فلن نتبعك ونقبل منك، وقالوا له { فأت بآية } أي معجزة تدل على صدقك { إن كنت من } جملة { الصادقين } في دعواك، فقال لهم { هذه ناقة } وهي التي أخرجها الله من الصخرة عشراء ترعو على ما أقترحوا { لها شرب } أي حظ من الماء، قال الشاعر:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت   حمامة في غصون ذات اوقال
أي لم يمنع حظها من الماء و (الشرب) - بفتح الشين وضمها وكسرها - تكون مصادراً، على ما قاله الفراء والزجاج، وكانوا سألوا أن يخرج لهم من الجبل ناقة عشراء فاخرجها الله حاملا كما سألوا، ووضعت بعد فصيلا، وكانت عظيمة الخلق جداً. ثم قال لهم صالح { ولا تمسوها } يعني الناقة { بسوء } أي بضر تشعر به، فالسوء هو الضرر الذي يشعر به صاحبه، لأنه يسوء وقوعه، فاذا ضره من حيث لا يشعر به لم يكن قد ساءه، لكنه عرضه لما يسوؤه.

وقوله { فيأخذكم عذاب يوم عظيم } معناه إنكم إن مسستم هذه بسوء أخذكم عذاب يوم عظيم، أي الصيحة التي أخذتهم.

ثم اخبر فقال { فعقروها } أي انهم خالفوه وعقروا الناقة. فالعقر قطع الشيء من بدن الحي، فاذا كثر انتفت معه الحياة، وإن قل لم تنتف. والمراد - ها هنا - انهم نحروها. وقيل: انهم عقروها، لانها كانت تضيق المرعى على مواشيهم. وقيل: كانت تضيق الماء عليهم، ولما عقروها رأوا آثار العذاب فيه جداً، ولم يتوبوا من كفرهم، وطلبوا صالحاً ليقتلوه، فنجاه الله ومن معه من المؤمنين. ثم جاءتهم الصيحة بالعذاب، فوقع لجميعهم الاهلاك، ولو كانوا ندموا على الحقيقة، واقلعوا عن الكفر، لما أهلكهم الله.

ثم قال تعالى إن فيما أخبرنا به وفعلناه بقوم صالح من إهلاكهم، لدلالة واضحة لمن اعتبر بها، لكن اكثرهم لا يؤمنون { وإن ربك } يا محمد { لهو العزيز } أي العزيز في انتقامه { الرحيم } بمن آمن من خلقه به.