الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } * { قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } * { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } * { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَاقِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قرأ يعقوب { واتباعك } على الجمع. الباقون { واتبعك } على الفعل الماضي قال الزجاج: من قرأ على الجمع فقراءته جيدة، لان الواو (واو) الحال، واكثر ما يدخل على الاسماء. تقول جئتك وأصحابك بنو فلان، وقد يقولون: وصحبك بنو فلان، واكثر ما يستعملونه مع (قد) في الفعل،

حكى الله تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا لنوح حين دعاهم إلى الله وخوفهم من معصيته: انصدقك فيما تدعونا اليه وقد اتبعك الارذلون؟! يعني السفلة واوضاع الناس. والرذل الوضيع، ونقيض الرذيلة الفضيلة وجمعه الرذائل. وقيل: انهم نسبوهم إلى صناعات دنيئة، كالحياكة والحجامة. وانهم مع ذلك اهل نفاق ورذالة، فأنفوا من اتباعه لما اتبعوه هؤلاء، ولم يجز من نوح أن يقبل قول هؤلاء فيهم، لانهم كفار يعادونهم، فلا تقبل شهادتهم. ويجوز أيضاً ان يكونوا لما آمنوا تابوا من قبيح ما عملوا، لأن الايمان يجبّ الخطايا، ويوجب الاقلاع عنها. ولم يجز استصلاح هؤلاء باقصاء من آمن، كما لا يجوز استصلاحهم بفعل الظلم، لان في ذلك اذلالا للمؤمنين، وذلك ظلم لهم، لا يجوز أن يفعل بأهل الايمان، لأنه قبيح.

ومن قرأ - على الجمع - أراد ان الذين اتبعوك هم الارذلون.

ومن قرأ على الفعل أراد: تبعك من هذه صفته.

فقال لهم نوح (ع): لم أطردهم { وما علمي بما كانوا يعملون } فيما مضى، لأني ما كلفت ذلك، وانما أمرت بأن ادعوهم إلى الله، وقد اجابوني اليه، وليس حسابهم الا على ربي الذي خلقني وخلقهم لو علمتم ذلك وشعرتموه، وليس أنا بطارد المؤمنين، لاني لست الا نذيراً مخوفاً من معصية الله مبين لطاعته، داع اليه.

و (الطرد) ابعاد الشيء على وجه التنفير، طرده يطرده، واطرده جعله طريداً، واطرد في الباب استمر في الذهاب كالطريد، وطارده مطاردة وطراداً.

فقال له قومه عند ذلك { لئن لم تنته } وترجع عما تقوله، وتدعو اليه { يا نوح لتكونن من المرجومين } بالحجارة، وقيل: من المرجومين بالشتم، فالرجم الرمي بالحجارة، ولا يقال للرمي بالقوس رجم، ويسمى الشتوم مرجوماً لانه يرمى بما يذم به. والانتهاء بلوغ الحد من غير مجاوزة إلى ما وقع عنه النهي. وأصل النهاية بلوغ الحد، والنهي الغدير، لانتهاء الماء اليه.

فقال نوح عند ذلك يا رب { إن قومي كذبون } وانما قال ذلك مع أن الله تعالى عالم بأنهم كذبوه، لأنه كالعلة فيما جاء بعده، فكأنه قال { افتح بيني وبينهم فتحاً } لانهم كذبوني، إلا انه جاء بصيغة الخبر دون صيغة العلة. وإذا كان على معنى العلة حسن أن يأتي بما يعلمه المتكلم والمخاطب. ومعنى { افتح بيني وبينهم فتحاً } احكم بيننا بالفعل الذي فيه نجاتنا، وهلاك عدوّنا وعامل كل واحد منا بما يستحقه، يقال للحاكم: الفتاح، لانه يفتح وجه الأمر بالحكم الفصل، ويتقرر به الأمر على أداء الحق، فقال الله تعالى له مجيباً لدعائه { فأنجيناه ومن معه } من المؤمنين { في الفلك } يعنى السفن، يقال شحنه يشحنه شحناً فهو شاحن إذا ملأه بما يسد خلاءه، وشحن الثغر بالرجال.

السابقالتالي
2