الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ }

يقول الله تعالى مخبراً عن قوم نوح أنهم كذبوا الذين أرسلهم الله بالنبوة. وانما كذّبوهم جميعهم، لانهم كذبوا كل من دعا إلى توحيد الله، وخلع عبادة الاصنام ممن مضى من الرسل، وغيرهم ممن يأتي. وقال الحسن: لأنهم بتكذيبهم نوحاً مكذبون من جاء بعده من المرسلين. ولو لم يكن قبله نبي مرسل. وقال الجبائي: كذبوا من أرسل قبله. وانما قال { كذبت } بالتأنيث، والقوم مذكر لأنه بمعنى جماعة قوم نوح.

ثم بين انهم انما كذبوه حين " قال لهم اني رسول " من قبل الله تعالى { أمين } على رسالته، والامين الذي يؤدي الأمانة وضده الخائن، وقد أدى نوح الأمانة في أداء الرسالة، والنصيحة لهم، فلذلك وصفه الله بأنه (أمين). وإنما سماه بأنه { أخوهم } لأنه كان منهم في النسب، وذكر ذلك، لأنهم به آنس وإلى إجابته أقرب فيما ينبغي أن يكونوا عليه، وهم قد صدفوا عنه { ألا تتقون } الله باجتناب معاصيه منكراً بهذا القول عليهم، وانما جاء الانكار بحرف الاستفهام لانهم لا جواب لهم عن ذلك إلا بما فيه فضيحتهم، لأنهم: ان قالوا لا نتقي ما يؤدينا إلى الهلاك هتكوا نفوسهم وخرجوا عن عداد العقلاء. وان قالوا: بل نتقيه لزمهم ترك عبادة الاصنام.

ثم قال لهم { فاتقوا الله } واجتنبوا معاصيه وافعلوا طاعاته { واطيعون } فيما أمركم به، وأدعوكم اليه. ثم قال لهم { وما أسألكم عليه } على ما أدعوكم اليه. { من أجر } فيصرفكم ذلك عن الايمان، لأنه ليس أجري، وثوابي { إلا على رب العالمين } الذي خلق جميع الخلائق، ثم كرر عليهم قوله { فاتقوا الله وأطيعون } لاختلاف المعنى فيه، لان التقدير، فاتقوا الله واطيعوني لاني رسول أمين، واتقوا الله وأطيعوني لاني لا أسألكم أجراً عليه فتخافون ثلم أموالكم. والطاعة اجابة الداعي بموافقة ارادته مع كون الداعي فوقه، فالرتبة معتبرة.