الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } * { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } * { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } * { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } * { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي وخلف وابو بكر إلا حفصاً " وذريتنا " على التوحيد، الباقون على الجمع. وقرأ اهل الكوفة إلا حفصاً " ويلقون " بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف. الباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.

من وحد " الذرية " فلانه فى معنى الجمع لقولهذرية من حملنا مع نوح } ومن جمع فكما تجمع الاسماء الدالة على الجمع، نحو (قوم، واقوام) وقد يعبر ذلك عن الواحد، كقولههب لي من لدنك ذرية طيبة } ويعبر به عن الجمع كقولهوليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم } ومن جمع فللازدواج.

ومن شدد " يلقون " فعلى أن المعنى يلقون التحية والسلام مرة بعد مرة لان التشديد للتكثير، وشاهده قولهولقاهم نضرة وسروراً } ومن خفف أراد يلقون هم تحية، كما قالفسوف يلقون غياً } وقال بعضهم: لو كان بالتشديد لقال (ويتلقون) لأنهم يقولون تلقيته بالتحية، و (لقى) فعل متعد الى مفعول واحد فاذا ضعفت العين تعدى الى مفعولين، وقوله { تحية } المفعول الثاني.

يقول الله تعالى { ومن تاب } من معاصيه وأقلع عنها، وندم عليها وأضاف الى ذلك الاعمال الصالحات { فإنه يتوب إلى الله متاباً } أي يرجع اليه مرجعاً عظيماً جميلا، وفرق الرماني بين التوبة الى الله، والتوبة من القبيح لقبحه، بان التوبة الى الله تقتضي طلب الثواب، وليس كذلك التوبة من القبيح لقبحه.

ثم عاد تعالى الى وصف المؤمنين فقال { والذين لا يشهدون الزور } أي لا يحضرونه، ولا يكون بحيث يذكرونه بشيء من حواسهم الخمس: البصر، والسمع، والانف، والفم، والبشرة. ومن لا يشهد الزور، فهو الذي لا يشهد به ولا يحضره لأنه لو شهده لكان قد حضره، فهو أعم في الفائدة من أن لا يشهد به. و (الزور) تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. وقال مجاهد: الزور - ها هنا - الكذب. وقال الضحاك: هو الشرك. وقال ابن سييرين: هو أعياد أهل الذمة كالشعانين وغيرها. وقيل: هو الغناء، ذكره مجاهد. واهل البيت (ع).

وقوله { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } معناه: مروا من جملة الكرماء الذين لا يرضون باللغو، لانهم يجلون عن الاختلاط بأهله، والدخول فيه، فهذه صفة الكرام، وقيل: مرورهم كراماً كمرورهم بمن يسبهم فيصفحون عنه، وكمرورهم بمن يستعين بهم على حق فيعينونه. وقيل: هم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنّوا عنه. ذكره محمد بن علي (ع) ومجاهد. واللغو الفعل الذي لا فائدة فيه. وليس معناه أنه قبيح، لان فعل الساهي لغو، وهو ليس بحسن ولا قبيح - عند قوم - ولهذا يقال: الكلمة التي لا تفيد لغو.

وقوله { والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً } معناه انهم إذا ذكروا بأدلة الله تعالى التي نصبها لهم نظروا فيها، وفكروا فى مقتضاها، ولم يكونوا كالمشركين فى ترك التدبر لها حتى كانهم صم وعميان عنها، ذكره الحسن، وقيل معناه يخرون سجداً وبكياً سامعين لله مطيعين.

السابقالتالي
2 3