الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } * { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } * { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي عن أبي بكر { يقتروا } بضم الياء وكسر التاء، وقرأ اهل البصرة وابن كثير بفتح الياء وكسر التاء. الباقون بفتح الياء وضم التاء، وهم أهل الكوفة إلا الكسائي عن أبي بكر. وقرأ ابن عامر، وأبو بكر " يضاعف... ويخلد " بالرفع فيهما. وقرأ ابن كثير وابن عامر وابو جعفر ويعقوب " يضعف " بتشديد العين وإسقاط الالف. الباقون " يضاعف " باثبات الألف وتخفيف العين. تقول: قتر يقتر ويقتر - بكسر التاء، وضمها - لغتان. وأقتر إقتاراً لغة.

واختلفوا في (السرف) في النفقة، فقال قوم: كلما أنفق في غير طاعة الله، فهو سرف، لقوله تعالىإن المبذّرين كانوا إخوان الشياطين } وقال علي (ع): ليس فى المأكول والمشروب سرف وإن كثر.

وقال قوم: الاسراف فى الحلال فقط، لأن الحرام لا يجوز الانفاق فيه ولو ذرة.

ومن قرأ { يضاعف } فمن المضاعفة. ومن شدد، فمن التضعيف ذهب الى التكثير، والمعنيان متقاربان. ومن - جزم - جعله بدلا من جواب الشرط، لان الشرط قوله { ومن يفعل ذلك } وجزاءه { يلق أثاماً } وعلامة الجزم سقوط الالف من آخره. و { يضاعف } بدل منه و { يخلد } عطف عليه. ومن - رفع - استأنف لان الشرط والجزاء قد تم. وكان يجوز النصب على الظرف - فى مذهب الكوفيين. وباضمار (ان) على مذهب البصريين - ولم يقرأ به احد.

لما اخبر الله تعالى أن عذاب جهنم كان غراماً، بين بأنها { ساءت مستقراً ومقاماً } أي موضع قرار واقامة لما فيها من أنواع العذاب، ونصبها على التمييز.

ثم عاد الى وصف المؤمنين فقال { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا } أي لم يخرجوا عن العدل في الانفاق يقال: فلان مسرف على نفسه إذا أكثر من الحمل على نفسه فى المعصية، فشبه بالمسرف في النفقة { ولم يقتروا } أي لم يقصروا عن العدل في الانفاق، وهو مأخوذ من القترة، وهي الدخان. والاقتار مشبه به فى الامحاق والاضرار. وفيه ثلاث لغات: قتر يقتر، ويقتر، وأقتر إقتاراً. وقال ابو علي الفارسي: من قرأ { يقتروا } بضم التاء أراد لم يقتروا فى إنفاقهم، لان المسرف مشرف على الافتقار، لسرفه، ومن فتح التاء أراد لم يضيقوا فى الانفاق، فيقصروا عن المتوسطين، فمن كان فى هذا الطرف، فهو مذموم، كما أن من جاوز الاقتصاد كان كذلك مذموم. وبين ذلك بقوله { وكان بين ذلك قواماً } أي كان إنفاقهم بين ذلك، لا إسرافاً يدخل فى حد التبذير، ولا تضييقاً يصير به فى حد المانع لما يجب. وقال ابن عباس: الاسراف الانفاق فى معصية الله، قل او كثر، والاقتار منع حق الله من المال.

السابقالتالي
2