الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } * { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً }

يقول الله تعالى { لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } يخوفهم بالله ويحذرهم من معاصيه. والمعنى: لو شئنا لقسمنا النذر بينهم، كما قسمنا الأمطار بينهم، ففي ذلك اخبار عن قدرته على ذلك، لكن دبرنا على ما اقتضته مصلحتهم، وما هو أعود عليهم في دينهم ودنياهم. وفيه امتنان على النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنا { لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } فيخف عنك كثير من عبء ما حملته، لكنا حملناك ثقل أوزار جميع القرى لتستوجب بصبرك عليه إذا صبرت عظيم المنزلة وجزيل الكرامة. والنذير هو الداعي الى ما يؤمن معه الخوف من العقاب، والانذار الاعلام بموضع المخافة. والنذر عقد البر على انتفاء الخوف، يقال تناذر القوم تناذراً إذا انذر بعضهم بعضاً. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { فلا تطع الكافرين } يا محمد بالاجابة الى ما يريدون { وجاهدهم } في الله { جهاداً كبيراً } شديداً، والهاء في قوله { به } عائدة الى القرآن - في قول ابن عباس والحسن - وقال الحسن: معنى { فلا تطع الكافرين } لا تطعهم فيما يصرفك عن طاعة الله. وقيل: فلا تطعهم بمعاونتهم فيما يريدونه مما يبعد عن دين الله، وجاهدهم بترك طاعتهم.

ثم عاد تعالى الى تعديد نعمه عليهم فقال { وهو الذي مرج البحرين } ومعناه أرسلهما في مجاريهما، كما ترسل الخيل فى المرج، فهما يلتقيان، فلا يبغي الملح على العذب ولا العذب على الملح، بقدرة الله. والعذب الفرات: وهو الشديد العذوبة، والملح الاجاج يعني المر.

ثم قال { وجعل بينهما برزخاً } أي حاجزاً يمنع كل واحد منهما من تغيير الآخر { وحجراً محجوراً } معناه يمنع أن يفسد احدهما الآخر. وقال المبرد: شبه الخلط بحجر البيت الحرام. وأصل المرج الخلط ومنه قولهفي أمر مريج } أي مختلط. وفى الحديث: " مرجت عهودهم " أي اختلطت، وسمي المرج بذلك، لانه يكون فيه اخلاط من الدواب. ومرجت دابتك إذا ذهبت بتخليتك حيث شاءت قال الراجز:
رعى بها مرج ربيع ممرجاً   
و { مرج البحرين } معناه خلا بينهما، تقول: مرجت الدابة وأمرجتها إذا خليتها ترعى. ثم قال تعالى { وهو الذي خلق من الماء بشراً } يعني من النطفة. وقيل الماء الذي خلق الله منه آدم بشراً أي انساناً، فجعل ذلك الانسان { نسباً وصهراً } فالنسب ما رجع الى ولادة قريبة، والصهر خلطة تشبه القرابة. وقيل الصهر المتزوج بنت الرجل او اخته. وقال الفراء: النسب الذي لا يحل نكاحه، والصهر النسب الذي يحل نكاحه، كبنات العم، وبنات الخال ونحوهما. وقيل: النسب سبعة أصناف ذكرهم الله فى { حرمت عليكم أمهاتكم... } الى قوله { وبنات الأخت }. والصهر خمسة أصناف ذكرهم فيأمهاتكم اللاتي أرضعنكم... } الى قولهوحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ذكره الضحاك.

وقوله { وكان ربك قديراً } أي قادراً على جميع ما انعم به عليكم.

ثم اخبر عن الكفار فقال { ويعبدون من دون الله } الاصنام والاوثان التي لا تنفعهم ولا تضرهم، لان العبادة ينبغي أن توجه الى من يملك النفع والضر مطلقاً. ثم قال { وكان الكافر على ربه ظهيراً } قال الحسن ومجاهد وابن زيد: يظاهر الشيطان على معصية الله. وقيل: { ظهيراً } معناه هيناً كالمطرح. والاول هو الوجه. وقيل: معنى { ظهيراً } معيناً.

ووصف الاصنام بأنها لا تضرّ ولا تنفع، يدل على بطلان فعل الطباع، لانها موات مثلها. والفعل لا يصح إلا من حي قادر.