الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } * { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

معنى تبارك: تقدس وجل، بما لم يزل عليه من الصفات، ولا يزال كذلك، ولا يشاركه فيها غيره. وأصله من بروك الطير على الماء، فكأنه قال: ثبت فيما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده. وقال ابن عباس: تبارك (تفاعل) من البركة، فكأنه قال ثبت بكل بركة او حل بكل بركة. وقال الحسن: معناه الذي تجيء البركة من قبله، والبركة الخير الكثير. والفرقان هو القرآن، سمي فرقاناً لأنه يفرق به بين الصواب والخطأ، والحق والباطل فى امور الدين، بما فيه من الوعظ والزجر عن القبائح والحث على افعال الخير.

ثم بين تعالى انه انما نزل هذا القرآن، وغرضه أن يكون نذيراً للعالمين، أي مخوفاً وداعياً لهم الى رشدهم، وصارفاً لهم عن غيهم وضلالتهم، يقال: أنذره إنذاراً إذا دعاه الى الخير، بأن يخوفه من تركه: إذا كان غافلا عنه، وقال ابن زيد: النذير هو النبي (صلى الله عليه وسلم). وقال آخرون: هو القرآن.

ثم وصف تعالى { الذي نزل الفرقان } بأنه { الذي له ملك السماوات والأرض } والتصرف فيهما، بسعة مقدوره بسياستها. وانه { لم يتخذ ولداً } كما يدعيه النصارى فى أن المسيح ابن الله، ويزعم جماعة من العرب أن الملائكة بنات الله. وأنه ليس له شريك فى الملك، بل هو المالك لجميع ذلك وحده، وانه { خلق كل شيء } وقيل فى معناه قولان:

احدهما - ان كل شيء يطلق عليه اسم مخلوق، فانه خلقه، لأن أفعالنا لا يطلق عليها اسم الخلق حقيقة، لان الخلق يفيد الاختراع، وانما يسمونها بذلك مجازاً.

والثاني - انه لا يعتد بما يخلقه العبد فى جنب ما خلقه الله، لكثرة ذلك وقلة ما يخلقه العبد.

ويحتمل ان يكون المراد قدّر كل شيء، لان أفعال العباد مقدرة لله، من حيث بين ما يستحق عليها فاعلها من الثواب والعقاب أو لا يستحق شيئاً من ذلك. ويقوي ذلك قوله { فقدره تقديراً } لان المعنى فيه، وكل شيء على مقدار حاجتهم اليه وصلاحه لهم.

ثم اخبر تعالى عن الكفار، فقال { واتخذوا من دون الله آلهة } من الاصنام والاوثان، ووجهوا عبادتهم اليها من دون الله. ثم وصف آلهتهم بما ينبئ أنها لا تستحق العبادة، بأن قال { لا يخلقون شيئاً } ولا يقدرون عليه، وهم مع ذلك مخلوقون، ومصرفون، وانهم { لا يملكون } أي لا يقدرون { لأنفسهم } على ضرّ ولا على نفع { ولا يملكون } أي لا يقدرون على موت، ولا على حياة، ولا على بعث بعد الموت. والنشور هو البعث بعد الموت، يقال: نشر الميت، فهو ناشر نشوراً، وانشره الله انشاراً، ومنه قولهثم إذا شاء أنشره } وجميع ذلك يختص الله بالقدرة عليه، والعبادة تستحق بذلك، لانها أصول النعم، ثم أخبر عن الكفار بأنهم يقولون: ليس هذا القرآن الذي أنزلناه { إلا إفك } يعني كذب افتعله النبي (صلى الله عليه وسلم) { وأعانه عليه قوم آخرون } قال الحسن: قالوا أعانه عليه عبد حبشي يعني الحضرمي.

السابقالتالي
2