الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } * { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً }

يقول الله تعالى إن { الملك } الذي هو السلطان بسعة المقدور وتدبير العباد فى ذلك اليوم ووصفه بأنه الحق { للرحمن } الذي أنعم على جميع خلقه، وأن ذلك اليوم كان على الكافرين عسيراً، يعني صعباً شديداً، والعسير هو الذي يتعذر طلبه، ونقيضه اليسير. والحق هو ما كان معتقده على ما هو به، معظم في نفسه، ولذلك وصفه تعالى بأنه الحق ووصف ملكه ايضاً بأنه الحق لما ذكرناه. وقيل { الملك } على ثلاثة أضرب: ملك عظمة، وهو لله تعالى وحده. وملك ديانة بتمليك الله تعالى. وملك جبرية بالغلبة.

ثم قال تعالى أن فى ذلك اليوم { يعض الظالم على يديه } تلهفاً على ما فرط فى جنب الله، فى ارتكاب معصيته. وقيل: إن الآية نزلت في أبي بن خلف، وعقبة ابن ابي معيط، وَكانا خليلين ارتدّ أبي، لما صرفه عن الاسلام عقبة. وقتل عقبة ابن أبي معيط يوم بدر صبراً. وقتل أبي بن خلف يوم احد، قتله النبي (صلى الله عليه وسلم) بيده، ذكره قتادة. وقال مجاهد: الخليل - ها هنا - الشيطان، وفلان كناية عن واحد بعينه من الناس، لأنه معرفة. وقال ابن دريد، عن أبي حاتم عن العرب: أنهم يكنوا عن كل مذكر بفلان، وعن كل مؤنث بفلانة. وإذا كنوا عن البهائم أدخلوا الألف واللام، فقالوا الفلان والفلانة.

ثم بين أنه يتبرأ منه بأن يقول: والله { لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني } يعني أغواني عن اتباع الذكر الذي هو النبي (صلى الله عليه وسلم) ويحتمل أن يكون اراد القرآن.

ثم بين فقال { وكان الشيطان للإنسان خذولاً } يخذله في وقت حاجته ومعاونته، لانه على باطل { وقال الرسول } أي ويقول الرسول { إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } وقيل في معناه قولان:

احدهما - قال محمد، وابراهيم: انهم قالوا فيه هجراً أي شيئاً من القول القبيح لزعمهم انه سحر، وانه اساطير الاولين.

والثاني - قال ابن زيد: هجروا القرآن باعراضهم عنه، وترك ما يلزمهم فيه ويشهد لهذا قولهلا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } ومثل (قال) بمعنى (يقول) قول الشاعر:
مثل العصافير أحلاماً ومقدرة   لو يوزنون بزف الريش ما وزنوا
اي ما يوزنون، واما قول الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً   مني وما سمعوا من صالح دفنوا
فهذا فى الجزاء.