الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } * { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً }

حكى الله تعالى عن الكفار الذين لا يرجون لقاء ثواب الله، ولا يخافون عقابه أنهم قالوا ما ذكره. والرجاء ترقب الخير الذي يقوى في النفس وقوعه، تقول: رجا يرجو رجاء وارتجى ارتجاء، وترجى ترجياً، ومثل الرجاء الطمع والامل. والمعنى لا يرجون لقاء جزائنا، وإذا استعملوا الرجاء مع النفي أرادوا به الخوف، كقولهلا ترجون لله وقاراً } وهي لغة تهامة وهذيل. واللقاء المصير الى الشيء من غير حائل ولهذا صح لقاء الجزاء من الثواب والعقاب، لان العباد يصيرون اليه فى الآخرة وعلى هذا يصلح أن يقال: لا بد من لقاء الله تعالى.

وقوله { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا } معناه هلا أنزل الملائكة لتخبرنا بأن محمداً نبي { أو نرى ربنا } فيخبرنا بذلك. قال الجبائي: وذلك يدل على انهم كانوا مجسمة، فلذلك جوزوا الرؤية على الله التي تقتضي التشبيه.

ثم اقسم تعالى فقال { لقد استكبروا } بهذا القول { في أنفسهم } أي طلبوا الكبر والتجبر بغير حق، تقول: استكبر استكباراً { وعتواً } بذلك أي طغوا به { عتوّاً كبيراً } والعتو الخروج الى أفحش الظلم.

وقوله { يرم يرون الملائكة } يجوز أن يكون المراد به اليوم الذي تقبض فيه أرواحهم، ويعلمون أين مستقرهم. ويجوز أن يكون يوم القيامة { لا بشرى يومئذ للمجرمين } أي لا بشرى لهم في ذلك اليوم. قال الفراء: ليس { اليوم } من صلة { بشرى } ولا منصوباً به، بل اضمرت (الفاء) كقولك: أما اليوم، فلا مال لك. وقال الزجاج: يجوز على تقدير لا بشرى تكون للمجرمين يوم يرون الملائكة، ويكون { يومئذ } مؤكداً لـ { يوم } ، ولا يكون منصوباً بـ { لا بشرى } لأن ما يتصل بـ (لا) لا يعمل فيما قبلها، لكن لما قيل: { لا بشرى للمجرمين } بين في أي يوم ذلك فكأنه قال يمنعون البشرى يوم يرون الملائكة، وهو يوم القيامة و { المجرمين } معناه الذين أجرموا وارتكبوا المعاصي { ويقولون حجراً محجوراً } حراماً محرّماً. وقال قتادة، والضحاك: هو من قول الملائكة يقولون لهم: حراماً محرماً عليكم البشرى. وقال مجاهد وابن جريج: هو من قول المجرمين، كما كانوا يقولون فى الدنيا إذا لقوا من يخافون منه القتل، قالوا { حجراً محجوراً } أي حراماً محرماً دماؤنا. واصل الحجر الضيق، يقال: حجر عليه يحجر حجراً إذا ضيق. والحجر الحرام لضيقه بالنهي عنه، قال المتلمس:
حنت الى النخلة القصوى فقلت لها   حجر حرام ألا تلك الدهاريس
وقال آخر:
فهممت ان ألقي اليها محجراً   ولمثلها يلقى اليه المحجر
أي حراماً. ومنه حجر القاضي عليه يحجر. وحجر فلان على أهله. ومنه حجر الكعبة، لانه لا يدخل اليه في الطواف، وانما يطاف من ورائه، لتضيقه بالنهي عنه وقولهلذي حجر } أي لذي عقل، لما فيه من التضييق في القبيح، والحجر الانثى من الخيل، ومنه الحجرة، وحجر الانسان.

السابقالتالي
2