الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

يقول الله تعالى انه { ليس على الأعمى حرج } وهو الذي كف بصره { ولا على الأعرج حرج } وهو الذي يعرج من رجليه او احدهما { ولا على المريض حرج } وهو الذي يكون عليلا، والحرج الضيق في الدين، مشتق من الحرجة، وهي الشجر الملتف بعضه ببعض لضيق المسالك فيه. وحرج فلان إذا أثم. وتحرّج من كذا إذا تأثم من فعله.

نفى الله الحرج عن هؤلاء لما يقتضيه حالهم من الافات التى بهم مما تضيق على غيرهم. واختلفوا في تأويل ذلك، فقال الحسن وابن زيد والجبائي: ليس عليهم حرج فى التخلف عن الجهاد، ويكون قوله { ولا على أنفسكم } كلاماً متسأنفاً. وقال ابن عباس: ليس من مؤاكلتهم حرج، لانهم كانوا يتحرجون من ذلك. قال الفراء: كانت الانصار تتحرج من ذلك، لانهم كانوا يقولون: الاعمى لا يبصر فتأكل جيد الطعام دونه ويأكل رديئة. والاعرج لا يتمكن من الجلوس. والمريض يضعف عن المأكل. وقال مجاهد: ليس عليكم في الأكل من بيوت من سمي على جهة حمل قراباتهم إليهم يستتبعونهم في ذلك حرج. وقال الزهري: ليس عليهم حرج في أكلهم من بيوت الغزاة إذا خلفوهم فيه باذنهم. وقيل: كان المخلف فى المنزل المأذون له في الأكل يتحرج، لئلا يزيد على مقدار المأذون له فيه. وقال الجبائي: الآية منسوخة بقولهيا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إِناه } ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " والذي روي عن أهل البيت (ع): انه لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكرهم الله بغير اذنهم، قدر حاجتهم من غير اسراف.

وقوله { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } قال الفراء: لما نزل قولهلا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة } ترك الناس مؤاكلة الصغير والكبير ممن أذن الله تعالى فى الأكل معه، فقال تعالى وليس عليكم فى أنفسكم، وفي عيالكم حرج أن تأكلوا منهم ومعهم الى قوله { أو صديقكم } أي بيوت صديقكم { أو ما ملكتم مفاتحه } أي بيوت عبيدكم وأموالهم. وقال ابن عباس: معنى ما ملكتم مفاتحه هو الوكيل وما جرى مجراه. وقال مجاهد والضحاك: هو ما ملكه الرجل نفسه في بيته. وواحد المفاتح مفتاح - بكسر الميم - وفي المصدر (مفتح) بفتح الميم. وقال قتادة: معنى قوله { أو صديقكم } لانه لا بأس فى الاكل من بيت صديقه بغير اذنه.

وقوله { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً } قيل: يدخل فيه أصحاب الآفات على التغليب للمخاطب كقولهم: انت وزيد قمتما، ولا يقولون قاما. وقال ابن عباس: معناه لا بأس ان يأكل الغني مع الفقير في بيته.

السابقالتالي
2