الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قرأ ابن كثير وابو بكر عن عاصم { وليبدلنهم } بالتخفيف. الباقون بالتشديد. وقرأ ابو بكر عن عاصم { كما استخلف } بضم التاء على ما لم يسم فاعله. الباقون بفتحها. قال ابو علي: الوجه فتح التاء، لأن اسم الله قد تقدم ذكره، والضمير فى { يستخلفنهم } يعود الى الاسم، فكذلك قوله { كما استخلف } لان المعنى ليستخلفنهم استخلافاً كاستخلافه الذين من قبلهم. ومن ضم التاء ذهب الى ان المراد به مثل المراد بالفتح.

فى هذه الآية وعد من الله تعالى للذين آمنوا من اصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وعملوا الصالحات، بأن يستخلفهم فى الارض، ومعناه يورثهم أرض المشركين من العرب والعجم { كما استخلف الذين من قبلهم } يعني بني اسرائيل بأرض الشام بعد اهلاك الجبابرة بأن أورثهم ديارهم وجعلهم سكانها. وقال الجبائي: { استخلف الذين من قبلهم } يعني فى زمن داود وسليمان. وقال النقاش: يريد بالأرض أرض مكة، لان المهاجرين سألوا ذلك، والاول قول المقداد بن الاسود، وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " لا يبقى على الارض بيت مدر، ولا وبر إلا ويدخله الاسلام بعز عزيز أو ذل ذليل ". وفي ذلك دلالة على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه أخبر عن غيب وقع مخبره على ما أخبر، وذلك لا يعلمه إلا الله تعالى { وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم } يعني يمكنهم من إظهار الاسلام الذي ارتضاه ديناً لهم { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً } أي نصرهم بعد أن كانوا خائفين بمكة وقت غلبة المشركين آمنين بقوة الاسلام وانبساطه.

ثم اخبر عن المؤمنين الذين وصفهم بأنهم يعبدون الله تعالى وحده لا يشركون بعبادته سواه من الاصنام والاوثان وغيرهما. ويجوز ان يكون موضعه الحال. ويجوز أن يكون مستأنفاً.

ثم قال { ومن كفر بعد ذلك } يعني بعد الذي قصصنا عليك ووعدناهم به { فأولئك هم الفاسقون } وإنما ذكر الفسق بعد الكفر مع أن الكفر أعظم من الفسق، لأحد امرين:

احدهما - انه أراد الخارجين في كفرهم الى أفحشه، لان الفسق في كل شيء هو الخروج الى اكبره.

الثاني - أراد من كفر تلك النعمة بالفساد بعدها، فسق وليس يعني الكفر بالله، ذكره ابو العالية.

والتبديل - تغيير حال الى حال أخرى، تقول: بدل صورته تبديلا، وتبدل تبدلا، والابدال رفع الشيء بأن يجعل غيره مكانه، قال ابو النجم:
عزل الامير بالأمير المبدل   
والتبديل رفع الحال الى حال أخرى. والابدال رفع النفس الى نفس أخرى. والأصل واحد، وهو البدل.

واستدل الجبائي، ومن تابعه على إمامة الخلفاء الأربعة بأن قال: الاستخلاف المذكور فى الآية لم يكن إلا لهؤلاء، لأن التمكين المذكور في الآية إنما حصل في أيام ابي بكر وعمر، لان الفتوح كانت فى أيامهم، فأبو بكر فتح بلاد العرب وطرفاً من بلاد العجم، وعمر فتح مداين كسرى الى حد خراسان وسجستان وغيرهما، فاذا كان التمكين والاستخلاف ها هنا ليس هو إلا لهؤلاء الائمة الأربعة.

السابقالتالي
2