الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } * { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

قرأ ابو جعفر المدني { يذهب بالأبصار } بضم الياء. الباقون بفتحها. وقد مضى ذكر مثله.

يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) { ألم تر } يا محمد والمراد به جميع المكلفين أي ألم تعلم ان الذي ذكره في الآية لايرى بالابصار وانما يعلم بالادلة، { أن الله يسبح له من في السماوات والأرض } فالتسبيح التنزيه لله تعالى عن جميع ما لا يجوز عليه، ولا يليق به، فمن نفى عنه الصاحبة والولد، فقد سبحه، لانه يرأه مما لا يجوز عليه، ومن نفى عنه أن يكون له شريك في ملكه او عبادته، فقد سبحه، لانه برّأه مما لا يجوز عليه، وكذلك من نفى عنه فعل القبيح، فقد سبحه، لانه برأه مما لا يجوز عليه. وتسبيح من في السموات والارض إنما هو بما فيها من الدلالات على توحيده، ونفي الصاحبة عنه، ونفي تشبيهه بخلقه وتنزيهه عما لا يليق به، مما يدل على ذلك ويدعو اليه، كأنه المسبح له.

وقوله { والطير صافات } معناه وتسبحه الطير صافات فى حال اصطفافها في الهواء، لانها إذا صفت اجنحتها في الهواء وتمكنت من ذلك كان في ذلك دلالة وعبرة على أن ممكنها من ذلك لا يشبه شيئاً من المخلوقات.

وقوله { كل قد علم صلاته وتسبيحه } معناه: إن جميع ذلك قد علم الله تعالى صلاته، يعني دعاءه الى توحيده، وتسبيحه، وتنزيهه عما لا يليق به. وقال مجاهد: الصلاة للانسان، والتسبيح لكل شيء. وقيل: كل قد علم صلاته أي صلاة نفسه، وتسبيح نفسه، فيكون الضمير فى علم لـ (كل)، وعلى الأول يعود على اسم الله، والأول أجود، لان هذه الاشياء كلها لا يعلم كيفية دلالتها غير الله. وانما الله تعالى عالم بذلك، ويقويه قوله { والله عليم بما يفعلون } أي عالم بأفعالهم، لا يخفى عليه شيء منها، فيجازيهم بحسبها.

ثم اخبر تعالى فقال { ولله ملك السماوات والأرض } ، والملك المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير، فملك السموات والارض لا يصح إلا لله وحده لا شريك له، لانه لا يقدر على خلق الاجسام غيره، وليس مما يصح أن يملكه العبد، لانه لا يمكنه أن يصرفه أتم التصريف، فالملك التام، لا يصح الا لله تعالى.

وقوله { وإلى الله المصير } اي اليه المرجع يوم القيامة، الى ثوابه او عقابه.

ثم قال { ألم تر } اي الم تعلم { أن الله يزجي سحاباً } اى يسوق سحاباً الى حيث يريده، ومنه زجا الخراج إذا انساق الى أهله وازجاه فلان أي ساقه { ثم يؤلف بينه } أي بين بعضه وبعض، لان لفظ سحاب جمع، واحده سحابة، وهو كقولهم: جلس بين النخل، لان لفظ بين لا تستعمل إلا فى شيئين فصاعداً.

السابقالتالي
2