الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذا خطاب من الله للمكلفين من الرجال يأمرهم الله تعالى أن يزوجوا الأيامى اللواتي لهم عليهن ولاية، وأن يزوجوا الصالحين المستورين الذين يفعلون الطاعات من المماليك والاماء إذا كانوا ملكاً لهم، والأيامى جمع (أيم) وهي المرأة التي لا زوج لها سواء كانت بكراً أو ثيباً. ويقال للرجل الذي لا زوجة له: أيم ايضاً ووزن أيم (فيعل) بمعنى (فعيل) فجمعت كجمع يتيم ويتيمة ويتامى، وقال جميل:
احب الايامى اذ بثينة ايم   وأحببت لما أن غنيت الغوانيا
ويجوز جمعه أيايم، ويقال: امرأة أيم وايمة إذا لم يكن لها زوج، قال الشاعر:
فان تنكحي أنكح وإن تتأيمي   يدا الدهر ما لم تنكحي أتأيم
وقال قوم: الايم التي مات زوجها، ومنه قوله (عليه السلام): (والايم أحق بنفسها) يعني الثيب. ومعنى أنكحوا زوجوا، يقال: نكح إذا تزوج، وأنكح غيره اذا زوجه. وقيل: ان الأمر بتزويج الأيامى إذا أردن ذلك أمر فرض، والامر بتزويج الأمة إذا أرادت ندب، وكذلك العبد.

وقوله { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم } معناه لا تمتنعوا من انكاح المرأة أو الرجل اذا كانوا صالحين، لأجل فقرهما، وقلة ذات أيديهما، فانهم وإن كانوا كذلك، فان الله تعالى يغنيهم من فضله، فانه تعالى واسع المقدور، كثير الفضل، عليم بأحوالهم وبما يصلحهم، فهو يعطيهم على قدر ذلك. وقال قوم: معناه إن يكونوا فقراء الى النكاح يغنهم الله بذلك عن الحرام. فعلى الأول تكون الآية خاصة في الاحرار. وعلى الثاني عامة فى الأحرار، والمماليك.

وقوله { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله } أمر من الله تعالى لمن لا يجد السبيل الى أن يتزوج، بأن لا يجد طولا من المهر، ولا يقدر على القيام بما يلزمها من النفقة والكسوة، أن يتعفف، ولا يدخل فى الفاحشة، ويصبر حتى يغنيه الله من فضله.

وقوله { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم } معناه إن الانسان اذا كانت له أمة أو عبد يطلب المكاتبة. وهي أن يقوّم على نفسه وينجم عليه ليؤدي قيمة نفسه الى سيده، فانه يستحب للسيد أن يجيبه الى ذلك ويساعده عليه لدلالة قوله تعالى { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً } وهذا أمر ترغيب بلا خلاف عند الفقهاء. وقال عمرو بن دينار، وعطاء، والطبري: هو واجب عليه إذا طلب. وصورة المكاتبة أن يقول الانسان لعبده، أو امته: قد كاتبتك على ان تعطيني كذا وكذا ديناراً أو درهماً في نجوم معلومة على أنك إذا أديت ذلك فانت حر، فيرضى العبد بذلك، ويكاتبه عليه ويشهد بذلك على نفسه، فمتى أدى ذلك، وهو مال الكتابة فى النجوم التي سماها صار حراً، وان عجز عن اداء ذلك كان لمولاه أن يرده في الرق.

السابقالتالي
2