الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قرأ ابن كثير الا ابن فليح { رآفة } بفتح الهمزة على وزن (فعالة). الباقون بسكونها، وهما لغتان في المصدر، يقال: رأف رأفة مثل كرم كرماً. وقيل: رآفة مثل سقم سقامة. والرأفة رقة الرحمة.

أمر الله تعالى فى هذه الآية: أن يجلد الزاني، والزانية اذا لم يكونا محصنين { كل واحد منهما مئة جلدة } واذا كانا محصنين أو أحدهما، كان على المحصن الرجم بلا خلاف. وعندنا انه يجلد اولا مئة جلدة ثم يرجم، وفي اصحابنا من خص ذلك بالشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين، فأما اذا كانا شابين محصنين لم يكن عليهما غير الرجم، وهو قول مسروق. وفي ذلك خلاف ذكرناه فى خلاف الفقهاء.

والاحصان الذي يوجب الرجم هو أن يكون له زوج يغدو اليه ويروح على وجه الدوام، وكان حرّاً. فأما العبد، فلا يكون محصناً، وكذلك الأمة لا تكون محصنة، وانما عليهما نصف الحد: خمسون جلدة، والحر متى كان عنده زوجة يتمكن من وطئها مخلى بينه وبينها سواء كانت حرة او أمة، او كان عنده أمة يطؤها بملك اليمين، فانه متى زنا وجب عليه الرجم، ومن كان غائباً عن زوجته شهراً فصاعداً أو كان محبوساً او هي محبوسة هذه المدة، فلا أحصان. ومن كان محصناً على ما قدمناه ثم ماتت زوجته أو طلقها بطل احصانه. وفى جميع ذلك خلاف بين الفقهاء ذكرناه فى الخلاف.

والخطاب بهذه الآية وان كان متوجهاً الى الجماعة، فالمراد به الأئمة بلا خلاف، لانه لا خلاف أنه ليس لاحد اقامة الحدود إلا للامام أو من يوليه الامام. ومن خالف فيه لا يعتد بخلافه.

والزنا هو وطؤ المرأة في الفرج من غير عقد شرعي ولا شبهة عقد شرعي مع العلم بذلك أو غلبة الظن. وليس كل وطئ حرام زناً، لانه قد يطؤ امرأته فى الحيض والنفاس، وهو حرام، ولا يكون زناً، وكذلك لو وجد امرأة على فراشه، فظنها زوجته او أمته فوطأها لم يكن ذلك زناً، لانه شبهة.

وقوله { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } قال مجاهد وعطاء ابن أبي رياح وسعيد بن جبير وابراهيم: معناه لا تمنعنكم الرأفة والرحمة من اقامة الحد. وقال الحسن وسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وحماد: لا يمنعكم ذلك من الجلد الشديد. (والرأفة) بسكون الهمزة. والرآفة - بفتح الهمزة - مثل الكأبة والكآبة، والسأمة والسآمة، وهما لغتان، وبفتح الهمزة قرأ ابن كثير على ما قدمناه.

وقوله { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي إن كنتم تصدقون بما وعد الله وتوعد عليه، وتقرون بالبعث والنشور، فلا تأخذكم فى من ذكرناه الرأفة، ولا تمنعكم من اقامة الحد على من ذكرناه،

وقوله { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } قال مجاهد وابراهيم: الطائفة رجل واحد.

السابقالتالي
2